الصفحة الرئيسية / ثقافة و علوم / 27 رجب .. ذکرى المبعث النبوی ونهضة الأمة

27 رجب .. ذکرى المبعث النبوی ونهضة الأمة

ومع إن الله عز و جل منح الإنسان نعمة العقل ، حتى یستطیع عن طریقه تحقیق الکمال والوصول للسعادة، إلا إن عقل الإنسان یبقى محدودا ضمن محیط مدرکاته وما یمتلک من المعرفة والعلم . و یبقى شغف الإنسان قائما للتعرف على مبدئه ومصیره ، کما انه فی توق إلى معرفة سبب مجیئه إلى هذه الحیاة ، ومن أوجده وإلى أین مسیره وما مصیره . و هذه التساؤلات تقلق الإنسان و تلح على عقله ونفسه ویحتاج إلى إجابة مطمئنة صحیحة . وربما لجأ بنی البشر فی أحیان کثیرة للأساطیر والأوهام للحصول على تفسیرات لجوانب من حیاتهم .. إلا انها عادة ما تشوّش علیهم فکرهم وأذهانهم فتحول دون وصولهم إلى الحقیقة . والإنسان لیس جسما فقط بل هو روح تحتاج الى منهج وبرنامج یملأ البعد المعنوی والروحی فی حیاته ، فکیف له أن یضع هذا البرنامج ؟ .

إلى جانب ذلک فإن الإنسان فی حیاته المادیة والمعنویة یحتاج إلى نظام وقانون یضبط علاقته مع أبناء جنسه ومحیطه، فکیف یصل إلى هذا النظام الاجتماعی، والقانون الذی ینظم حیاته ؟

لاشک بأن التجارب الإنسانیة قد توصل بنی البشر إلى بعض الحقائق ، لکن اقتصار الإنسان على التجربة الحسیة فقط قد یکلفه وقتا طویلا وجهدا کبیرا. لأجل کل ذلک فهو بحاجة إلى الهدی الإلهی. إن الله تعالى الذی خلق الإنسان بهذا الخلق المتمیز "لقد خلقنا الإنسان فی أحسن تقویم"، جعل من کمال لطفه ورحمته بهذا الإنسان أن یوفر له الهدی الذی یحتاجه فی هذه الحیاة فکان ذلک عن طریق الأنبیاء والرسل. فالأنبیاء یحملون إلى الإنسان الهدی الإلهی . إن الله تعالى یختار من عباده من بنی البشر من یبعثه برسالته حتى یدل الإنسان إلى طریق الکمال والسعادة، وقد کان لهؤلاء الأنبیاء الذین بعثهم الله الدور الکبیر فی هدایة الإنسان، ولعل هذه المکاسب التی ترونها فی حیاة البشریة لیست بعیدة عن دور وهدی الأنبیاء. فقد أحیا الأنبیاء برسالتهم وهدیهم فی الإنسان الجانب الروحی القیمی، وهدوا البشریة إلى الکثیر من الحقائق التی أمکن للبشریة أن تستوعبها منهم . و نهضة الأمة ضرورة من أجل کمال الإنسان وسعادته، ولهذا بعث الله هذا العدد الکبیر من الرسل الذی بلغ 124 ألف نبی کما تشیر بعض الروایات. کل هذا العدد الضخم من الأنبیاء إنما جاء لهدایة الإنسان وإسعاده، وقد شاء الله أن یختم النبوة بمن هو الأفضل والأکفأ والأقرب إلیه وهو نبینا محمد ، لکی تکون رسالته وشریعته هی خاتمة الرسالات والشرائع، بالنظر لاستیعابها لغة الزمن وتقدم البشریة وتطورها، وهذا ما أثبته الواقع، فمع کل هذا التطور والتقدم الإنسانی، نحن نرى بأن رسالة الإسلام ظلت غضة ومواکبة لحضارة الإنسان فی کل زمان متى ما فهمت على النحو الصحیح.

و حقیقة الأمر ، ان هناک من قدم أفهاما علیلة وسقیمة ملؤها الجمود والانحراف والتشویه لرسالة الإسلام، أظهرت الإسلام على النقیض تماما، بل متصادم إلى حد بعید مع التطور فی واقع البشریة. ولکن هناک فی مقابل ذلک من تجاوز ذلک، وفهم الإسلام على حقیقته ولذلک لا یجد هؤلاء أی تصادم أو تناقض بین الشریعة والتقدم الحضاری للبشریة، بل وجدوا فی تعالیم هذا الدین استباقا للکثیر من التطورات والحاجات التی تلح على الإنسان فی حیاته کلما تقدم به الزمن . ولعل أحد أسرار بعثة النبی الأکرم فی مجتمع کان یعیش أدنى درجات الانحطاط، أن تظهر عظمة هذه الرسالة وتمیز هذا الرسول. فلو جاء النبی فی مجتمع له تاریخ من الحضارة والتقدم لسهل القول بأنه انطلق من تجربة مجتمعه واستفاد من تاریخ محیطه، ولکن أن یأتی هذا الرسول مجتمع یعیش أدنى درجات الجهل والانحطاط، ثم یعرض على البشریة هذه الرسالة العظیمة الرائعة فی مختلف المجالات, حینها لا یبقى لأی عاقل مجال للشک فی أن هذه الرسالة لیست إنتاجا بشریا, ولا تعبیرا عن مستوى ذاتی، لأن المحیط الاجتماعی الذی عاش فیه النبی لا یسمح بأی حال من ألأحوال لشخص یعیش تلک الظروف أن یقدم مثل الرسالة وهذه الشریعة.

کل ذلک یدل على صدق رسالته ونبوته ، ولذلک یمن الله تعالى على المؤمنین: "لقد من الله على المؤمنین إذ بعث فیهم رسولًا من أنفسهم"، فلم یأتهم شخص یعیش تقدما وتطورا أکثر من الوضع الذی کانوا یعیشون فیه، وإنما من نفس ذلک المجتمع. لقد بعث هذا الرسول العظیم فی مجتمع یعتقد بالخرافة ویعبد الأصنام ویسجد للأوثان، فقد کان فی کل بیت من بیوت مکة صنم یعبده أهل ذلک البیت، بل کان فی جوف الکعبة نفسها وعلى سطحها أکثر من 360 صنما یُعبدون من دون الله، وقد کان العربی آنذاک یستبق سفره بالتمسح بالأصنام تبرکا والتماسا للخیر، کما یفعل ذات الأمر إذا عاد من سفره. لقد کانت العصبیة والنزاعات وحالات الاحتراب تسود فی ذلک المجتمع ولأتفه الأسباب، کما جرى فی حرب البسوس حیث أصاب شخص ضرع ناقة بسهم فقامت إثر ذلک حرب استمرت لأکثر من أربعین سنة قتل فیها الألوف. وعلى ذات المنوال جرت حرب داحس والغبراء بسبب خلاف على سباق بین فرسین، واستمرت هذه الحرب عشرات السنین هلک خلالها الحرث والنسل.

لقد جاء النبی الأکرم وسط مجتمع کانت حیاته حیاة احتراب وعصبیة وجهل وتخلف فی مختلف المجالات وبحسب وصف الآیة الکریمة "وَکُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ"، لقد کان مجتمعا معرضا للانتهاء والإبادة ومهددا بالعیش خارج التاریخ والحیاة، فخلق منه هذا النبی العظیم مجتمعا جدیدا وأمة متقدمة استطاعت أن تقود العالم خلال فترة قیاسیة من الزمن. إن فی ذلک دلالة کبیرة على عظمة هذا الدین وهذا الرسول .

إن ذکرى المبعث النبوی الشریف فرصة لتجدید الحمد والشکر لله سبحانه وتعالى على هذه النعمة العظیمة، ولا سبیل لأمتنا إلا العودة إلى الهدی الإلهی إذا أرادت أن تلحق برکب الحضارة البشریة الیوم، فالأمة الإسلامیة وخاصة فی المحیط العربی أصبحت تعیش وضعا شبیها بأوضاع العرب فی الجاهلیة، فالأمة تکاد تکون خارج سیاق التطور البشری فی مختلف المجالات والأبعاد، ولکن مهما کانت قسوة التخلف التی نعیشها، لا ینبغی أن یصیبنا ذلک بالیأس والإحباط مادام عندنا هذا الهدی الإلهی وهذه الرسالة العظیمة. إن العودة لهذه القیم العظیمة السامیة کفیلة بأن تتجاوز بنا التخلف والانحطاط. وهناک فی الأفق بدأت تلوح بشائر الأمل وهذا ما یبشر بعودة الأمة الى سالف مجدها واعتزازها بدینها القویم.

وکالة تسنیم الدولیة للأنباء -

تحقق أيضا

التلفزیون الحکومی الفنزویلی یبدأ بعرض مسلسل النبی یوسف الصدیق (ع) الذی انتجته ایران الاسلامیة‌

و أفاد القسم الثقافی لوکالة " تسنیم " الدولیة للأنباء أن ذلک یأتی فی اطار …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *