الصفحة الرئيسية / دولية / الافطار في لبنان بمذاق المسلسلات اللبنانية

الافطار في لبنان بمذاق المسلسلات اللبنانية

لو عدنا ستة أعوام إلي الوراء، إلي مسلسلات شهر رمضان العربية تحديداً، لكان النقاد اللبنانيون يكتبون عن حفنة ضئيلة من الممثلين اللبنانيين، ممن سنحت لهم فرصة المشاركة في المسلسلات الكبري، بينما لا تتعدي الأعمال اللبنانية المحلية أسوار لبنان إنتاجاً وجودة.
في ذلك الوقت، كانت سوريا في أمن وأمان، وكانت بيئة المسلسلات السورية تضجّ بالأعمال المنتجة محلياً، والتي تتطاحن أكبر مؤسسات التمويل العربية علي رعايتها وإنتاجها، شركات الخليج خصوصاً؛ نظراً إلي قدرة المنتَج الدرامي السوري علي التسلل من بين الفوارق اللغوية والثقافية، بعكس المنتَج المصري الذي يضع نصب أعينه المشاهِد المصري وتلبية ذوقه ومقاربة مشاكله وقضاياه الخاصة.
شكّل لبنان، بعد اندلاع الحرب في سوريا 'أقرب ملجأ إلي المنزل' فأوي إليه غالبية الفنانين السوريين علي اختلاف مشاربهم السياسية. لبنان –رغم انقسامه علي نفسه هو الآخر- كان لا يزال أكثر استقراراً علي المستوي الأمني، وهو الخيار الذي يكاد يكون وحيداً بالنسبة للممثل السوري علي مستوي نمط الحياة، فلا يمكن لأي ممثل سوري أن يعيش ويستقر في بلاد الخليج المتشددة دينياً والتي لا تتمتع ببيئة فنية عريقة، علي عكس لبنان، أو أن يبتعد جغرافياً إلي المغرب العربي حيث يخرج عن دائرة تأثيره وتواجد معجبيه وبيئته الحاضنة.
مع اشتداد وطيس المشاكل في سوريا، استقر في لبنان، بالاضافة إلي اللجوء الفني السوري، أغلب ماكينات الإعلام العربية والعالمية التي تتابع وتغذي الحرب السورية، وأضحي هذا البلد الذي يحده البحر غرباً، والكيان الصهيوني جنوباً، وسورياً شمالاً وشرقاً الوجهة المفضلة للفنانين السوريين، ما شكّل فرصة نادرة لاندماج البيئة الفنية اللبنانية مع ضيوفها الأكثر احترافاً وخبرة، وصارت الاستفادة منهم من قبل المنتِج العربي والسوري ممراً إجبارياً. فتح هذا الوضع المستجد الباب واسعاً للبيئة الدرامية اللبنانية، كونها تحوّلت لتكون الخيار الأمثل تعويضاً عن خسارة سوريا، بعد تمركز أغلب الفنانين السوريين علي أراضيه.
انتعشت الدراما في لبنان تدريجياً، وصرنا نري الممثلين اللبنانيين متواجدين بشكل مطرد في المسلسلات، بحيث بلغ مجموع المسلسلات المعروضة علي القنوات اللبنانية الرئيسية السبعة هذا الشهر ما يقارب 22 مسلسلاً أكثر من نصفها إنتاج لبناني صافي، والباقي إما إنتاج سوري صافٍ وإما إنتاجات لبنانية سورية مشتركة (فيما غاب عن البرمجة هذا العام أي مسلسل مصري أو خليجي). هذا وقد تضخمت حصة لبنان من مواقع التصوير بشكل لا يمكنه مقارنته بالوضع قبل االحرب السورية. مع ازدياد حصة لبنان من مواقع التصوير بشكل لا يمكنه مقارنته بالوضع قبل االحرب السورية. علي سبيل المثال فقد تم تصوير مقاطع كبيرة من 'غرابيب سود' في لبنان، وهو المسلسل الذي يعرض علي شاشة الأل بي سي آي اللبنانية، والذي يحكي عن الحياة تحت سلطة تنظيم 'داعش' من زاوية نظر المنتِج السعودي الاماراتي، وهذا الانحياز الذي كان جليّاً في المسلسل، فجّر موجة استياء عارمة في الكويت وقطر نتيجة تظهير إرهابيي داعش علي أنهم من الجنسيات الكويتية والقطرية، وكذلك فقد أثار سخط كل من الأردن والعراق بسبب كمية الشحن المذهبي الذي يحتويه، وإبراز المرأة الخليجية كمريضة نفسياً تبحث عن الهرب من واقعها، ما ادي إلي إيقاف عرضه بعد 20 حلقة فقط.
هذا وقد برز من بين المسلسلات التي اشترك فيها ممثلون من لبنان وسوريا، مسلسل 'الهيبة'، علي قناة أم تي في اللبنانية، والذي يضم الممثل السوري 'تيم حسن' إلي جانب واحدة من أشهر الممثلات اللبنانيات 'نادين نجيم'، وللموسم الثالث علي التوالي يقدم هذا الثنائي مسلسلاً مقنعاً لناحية أداء الأبطال، حيث استطاعا الانفلات من فخ الرتابة. المسلسل لا يقدم جديداً علي مستوي القصة، فهو من صنف قصص أرباب المافيا الكلاسيكيين كـ'إسكوبار'، والتي يصار إلي تقنينها وتطويعها ضمن قالب محليّ يشابه الواقع الذي تعيشه المناطق الحدودية اللبنانية السورية من تجارة سلاح وبروز شخصيات مافياوية ذات تناقض أخلاقي اجتماعي حاد ومثير للاهتمام. لاقي المسلسل إقبالاً عربياً عاماً وليس فقط علي مستوي لبنان. في الوقت نفسه فقد وجّه النقاد سلسلة من السهام إلي العمل بسبب تلميعه لصورة تجار السلاح وترويجه لبعض القيم المرفوضة، بينما أقر الكثيرون بأن أداء النجمين حسن ونجيم كان مميزاً ومحل تقدير.
لقد جاء هذا العام مخالفاً للتوقعات من حيث أذواق الجمهور، حيث لم يكن في بال المتابعين أن تتمكن المسلسلات الكوميدية من التواجد ضمن إطار المنافسة الحقيقية، فلم تخاطر القنوات اللبنانية بوضع أي مسلسل كوميديً ضمن أوقات الذروة. المفاجأة كان نجمها مسلسل 'كاراميل' علي قناة أل بي سي آي الذي جاءت أرقام متابعته صادمة رغم أنه يعرض قبل ساعة من الافطار. 'كاراميل' عمل مقتبس عن مسلسل روسي يتحدث عن حبة كاراميل تتناولها سيدة فتصبح قادرة علي الإنصات إلي أفكار الرجال، ولا يعدّ بمعايير الأعمال اللبنانية من الصنف المبتذل أو الإيحائي. يشترك في دوريّ البطولة الممثلة اللبنانية ماغي أبو غصن والممثل التونسي ظافر عابدين، بينما لفت الممثل اللبناني طلال الجردي الأنظار إليه من زاوية أدائه الكوميدي المميز، والذي كان إضافة هامة إلي المسلسل.
كما لم تغب المسلسلات التاريخية عن هذا الشهر، بعضها كان خطوة جريئة باتجاه عالم الفانتازيا التاريخية كمسلسل 'اوركيديا' الذي يروي قصة ثلاث ممالك متناحرة، معالجاً واقع الصراعات الراهنة علي السلطة والحكم من خلال القالب التاريخي المتخيّل. بينما تذهب الحصة الكبري من الوجبة التاريخية اللبنانية إلي مسلسلات البيئة الشامية كباب الحارة الذي أصبح جزءاً من مائدة الإفطار الرمضانية، وعطر الشام بجزئه الثاني. أما العمل التاريخي الذي قدمه مركز بيروت الدولي وتعرضه قناة المنار، فهو مسلسل 'بلاد العز'
يحكي المسلسل -كما يلخّصه الصحافي في جريدة الأخبار عبد الرحمن جاسم- 'حكاية الثوار في منطقة بعلبك - الهرمل وكيفية قيامهم بثوراتهم تلك إبان الاحتلال الفرنسي للمنطقة. وهذه نقطة تحسب للمسلسل بشكلٍ كبير، ذلك أنَّ المنطقة ليست محرومة إنمائياً فحسب، بل هي محرومة فنياً وثقافياً أيضاً، وقلما تحدّث عمل فني عن ثورات تلك المنطقة وتاريخها الذي يمتلك بعداً إنسانياً ومقاوماً كبيراً. نقطةٌ أخري تحسب للمسلسل هي تناوله للعادات والتقاليد المناطقية (كما في رسمه للعرس البعلبكي)، فضلاً عن سلوكيات وتقاليد أهل المنطقة.' فبينما لم يسلم أداء بعض الممثلين وشارة المسلسل من النقد، فإن للمسلسلات التي ينتجها مركز بيروت الدولي طعم خاص نظراً لارتباطها المباشر بتاريخ المقاومة في لبنان.
انتهي*390**1369


www.irna.ir

تحقق أيضا

النخالة : سنقاتل العدو الصهيوني حتى تسقط أحلامه وأوهامه

جاء ذلك في كلمة النخالة، امس  الأربعاء، خلال مشاركته بمؤتمر "القدس أقرب" في العاصمة طهران، …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *