
في المنطقة الخضراء، في ذلك الجزء الهادئ من بغداد، يتابع نوري المالكي خطط «عودته» إلي قلب المشهد السياسي. يقول إنه لا يرغب في رئاسة الوزراء لولاية جديدة، فهو يدرك ــ علي ما يبدو ــ صعوبة تحقيق الأمر، خاصة أنّه شخصية خلافية داخل العراق. مواقفه الحادّة ــ والجارحة ــ قد تكون سبباً في ابتعاد كثيرين عنه، وسبباً رئيسياً لخلق مشكلات «حُمِّلتُ مسؤوليتها». لكن حضور الرجل في الشارع لا يزال قويّاً، ليس من باب «استطلاعات الرأي التي نتصدّرها»، بل من مقولة «رجل بغداد القوي»، الذي يعتقد بأن منطق «بناء الدولة» لا يفيده «تدوير الزوايا». من مساعيه إلي «العودة» عبر بوابة الانتخابات، نبدأ حوارنا مع رئيس الوزراء السابق ونائب رئيس الجمهورية الحالي. حوار تتخلله أحاديث تطول، لكنها لا تنتهي إلا عند «الخصوم»: الأميركيون، والسعوديون
■ ما مدي صحة الحديث عن تأجيل الانتخابات النيابية المقبلة؟
بالنسبة إليّ، كان الأمر في خانة التحليل، إلي أن صارحني بعض المطّلعين في الدوائر الأميركية بوجود قرارٍ يقضي بتأجيل الانتخابات، وهنا في العراق، بدأ بعض السياسيين الحديث عن تأجيل الانتخابات، والدعوة إلي المضيّ بهكذا قرار؛ إنّ هذا ضروري فقط بالنسبة إلي الفريق الذي يعمل علي إقصاء التيّار الإسلامي والإسلاميين (المقصود بصورة أساسية حزب الدعوة الذي يحكم في العراق)...
لقد أراد هؤلاء إقصاء التيّار الإسلامي، واستخدموا كل السبل... (لكن) الإسلاميين استعصوا في انتخابات 2006، و2010، و2014، (برغم) أنهم واجهوا مؤامرات «القاعدة» و«داعش».
وهؤلاء يعرفون اليوم بأن التيار الإسلامي سيفوز مجدّداً، لذلك لم يبق أمامهم إلا تعطيل الانتخابات بهدف إقصائنا. وهنا يبدأ الفصل الجديد: دولة بلا حكومة، وبلا برلمان (ذلك أن الدستور العراقي غفل عن النصّ بتصريف الأعمال مع انتهاء المهل الدستورية)، وهذا يعني انتهاء الحكومة والبرلمان، والدخول في الفراغ الدستوري، فيصبح العراق بلا حكومة تدير البلاد وتدبّر شؤونه. وهنا، فإن قراراً دولياً مبيتاً ومحضّراً، ليصدر عن مجلس الأمن تحت الفصل السادس، يدعو إلي تشكيل حكومة طوارئ بحجة إدارة البلاد مؤقتاً إلي أن تستقر الأحوال، ويتم إجراء الانتخابات مجدداً، علي أن تُستكمل ــ في هذا الوقت ــ فصول مؤامرة إقصاء المشروع الإسلامي.
أصحاب هذا المشروع يعملون الآن علي إسقاط مفوضية الانتخابات. فبعد شهر أيلول تنتهي صلاحية المفوضية الحالية، في وقتٍ تدعو فيه بعض القوي إلي إسقاط المفوضية بتهمة الفساد والتزوير. وإذا صحّت مقولة هؤلاء، فإن وجودنا كلّه من البرلمان إلي الحكومة مزوّر. (وعلي سبيل المثال) في حالة تعطيل المفوضية، فإن عملية تسجيل الأحزاب والكيانات السياسية ستتوقّف....
ويبدو واضحاً لنا، وجود خطّةٍ لإرباك الدولة. فمن جهة، باتت الحكومة ــ بصراحة ــ من أضعف الحكومات، وخصوصاً أنها لم تحرّك ساكناً بعدما استباحت تلك القوي مؤسسات الدولة ومرافقها. ومن جهةٍ أخري فإن تلك القوي وداعميها يريدون إثارة أجواءٍ من القلق، وخلق مناخٍ أمني غير مستقر، لإقناع العراقيين والآخرين بأن الانتخابات غير ممكنة.
نحن لن نقبل بالتأجيل، ولن نسمح بتعطيل الانتخابات يوماً واحداً، وهذا تحدٍّ بالنسبة إلينا. نحن في التحالف الوطني اتفقنا علي ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها. وأنا أدعو الجميع إلي رفع الأصوات المطالبة بإجراء الانتخابات في موعدها المحدد، وتحفيز الناس للمطالبة بذلك، وخصوصاً أن انتخابات مجالس المحافظات لن تُجري في أيلول المقبل، بل ستندمج مع الانتخابات النيابية، التي يُخشي تأجيلها.
■ في حالة الفراغ المُفترضة، من يُحضّرون لتولي حكومة الطوارئ؟
البعض يري في نفسه أنه المكلّف، أو أنه مفروضٌ أن يُمدّد للحكومة الحالية. لكن اعتقادي بأن هذه الحكومة لن يُمدّد لها، فرئيسها محسوبٌ علي التيّار الإسلامي... إنّما سيكلّف من يعمل علي الطريقة الأميركية، أي الذي يعمل وفق توجيهات واشنطن وأجندتها، وبتنسيقٍ مع الدوائر البريطانية. فيُعاد بذلك سيناريو الحكومة المؤقتة، التي شكّلها الأخضر الإبراهيمي بتكليف من الأمم المتحدة، وترأسها إياد علّاوي.
■ أيٌّ قانونٍ انتخابي ستؤيدونه في البرلمان؟
القانون الانتخابي إمّا أن يدعم الكتل الكبيرة، وإما أن يدعم الكتل الصغيرة. معظم برلمانات الدول تمتاز بوجود كتل كبيرة، كي تستطيع التفاهم في ما بينها. أما إذا كثرت الكتل الصغيرة، فمن الصعب تحقيق تفاهمٍ في ما بينها، وخصوصاً أن عدد مقاعد المجلس النيابي هو 327. لذلك نحن نسعي إلي تكريس قانونٍ يدعم الكتل الكبيرة، لأن القانون الداعم للكتل الصغيرة سيسبب إرباكاً في العملية السياسية.
■ لماذا تخاف الكتل الكبيرة من الكتل الصغيرة؟ هل تخشون صعود كتل صغيرة أو وجوه شبابية إلي الواجهة؟
لا، ليس خوفاً من صعود الشباب، ولا خوفاً من الكتل الصغيرة. وجود عددٍ كبيرٍ من الكتل الصغيرة يصعّب وضعها في نسق واحد لتشريع القوانين، واتخاذ القرارات في مجلس النواب، هذا هو القلق، وإلا ليس لدينا مشكلة باشتراكهم في الانتخابات. نعم، حقّ الجميع الاشتراك في السباق الانتخابي، لكن حق البلد، وحق العملية السياسية، وحق الوطن أهم من حق الفرد.
■ هل اتضحت ملامح التحالفات الانتخابية؟
كان هناك توجّهٌ في التحالف الوطني لخوض الانتخابات ضمن قائمةٍ واحدة، إلا أن جميع الأطياف عارضت ذلك، علي الرغم من إيجابية التوحّد في قائمة واحدة كي نتمكن من حجز موقع رئاسة الوزراء، والذي تستحقه الكتلة الأكبر، ومن ثم نحقّق مشروع الأغلبية السياسية. الاعتراض علي التوحّد استند إلي إمكانية خسارة الناخبين، ورفضهم التصويت لحلفائنا.
لذلك اتفقنا علي أن نخوض الانتخابات بقوائم منفردة، أي كتلة المواطن (المجلس الأعلي وملحقاته)، ودولة القانون (حزب الدعوة وملحقاته) ومن يريد أن يخوض المعركة بقائمة منفردة، فنصبح بذلك 3 أو 4 قوائم. ومن ثمّ نكتب كتاباً بيننا مفاده: نحن الموقعين أدناه، نشكّل كتلةً واحدةً في نتائجها، وهي الكتلة الكبيرة التي سيكون منها رئيس الوزراء، ثم نتفاهم لاحقاً من هو رئيس الوزراء.
■ هل سيعود نوري المالكي إلي رئاسة الوزراء؟
ليس لدي رغبةٌ في العودة إلي أيّ سلطةٍ تنفيذية، لكنني سأبقي في السلطة السياسية. أريد أن أكون شريكاً في رسم نظامٍ سياسيٍّ متينٍ وجديد، ينقذ العملية السياسية الحالية، إما أن أكون شريكاً عبر بوابة الانتخابات، أو بوابة التحالفات.
مشروعي الذي أعمل عليه... هو تحقيق مبدأ الأغلبية السياسية (أي أكبر كتلة برلمانية، تحكم). فإذا تحقّق ذلك فإنني اعتبر نفسي موجوداً، وأنا بالحكم، وشريكاً أيضاً.
■ ماذا عن علاقتكم بـ«الحشد الشعبي»؟
الضربة القادمة ستستهدف التيار الإسلامي، ومن ضمنه الحشد الشعبي، لكن الضربة الأولي ستوجه الي حزب الدعوة والحشد، وبقية الإسلاميين سيأتون لاحقاً. فالدعوة والحشد هما أبرز كيانين مستهدفين، وهذا شعار رُفع في مؤتمر أنقرة، حيث دعوا إلي اطاحة المالكي، والحشد، وإيران. أما لماذا الحشد؟ فلأنه محسوبٌ عليّ، وأنا من أسّسه، وأنا أدافع عنه وأتبنّاه، ولديّ اعتقاد بضرورة وجوده، والإبقاء علي كيانه، وبه استطعنا أن نوقف أكبر هجمة كادت أن تطيح العراق كله، وتصل إلي إيران.
يجب أن يُفهم أن استهدافي في العراق يعني استهداف الحشد، واستهداف الحشد استهدافي، ولذلك يجب أن نتماسك نحن والحشد في الدفاع، ومواجهة التحدي والمؤامرات الناعمة التي تحاك ضدنا.
■ هل توافق علي دمج «الحشد» بالأجهزة الأمنية؟
نحن دعاة بناء دولة، والحشد لا بد من أن يكون جزءاً من الدولة. صراحةً، رغم كل تعاطفنا مع الحشد، واهتمامنا به، وبتاريخه، فإننا لا نريد أن يبقي سلاحاً خارج إطار الدولة. لم يكن هناك فكرة لتشريع قانون للحشد، وإنما ضغطنا وأوصلنا الأمور لتشريع قانون يحمي وجوده ويبقيه كمؤسسة. فالحشد إذا بقي كمؤسسة سيبقي علي الخط والالتزام، لأنه لن يدمج، وإذا دمج الحشد مع أجهزة الجيش والشرطة فتلك نهايته.
نحن ضغطنا، حتي لا يتمكّن أي رئيس حكومة، أو غيره، سواءٌ الحالي أو المقبل، من أن يلغي الحشد. ذلك أن الحشد أسّستُه بأمر ديواني، والأمر الديواني يُلغي بأمر ديواني، كأن يجلس رئيس الوزراء صباحاً ويصدر أمراً بإلغاء الحشد. لذلك عجّلنا بأن يتحول الأمر إلي قانون، لأن القانون يسحب صلاحية رئيس الوزراء بإلغاء الحشد، إلا من خلال البرلمان الذي يمكنه أن يُشرّع قانوناً جديداً يلغي القانون السابق، ونحن موجودون في البرلمان ولن نسمح بتصدير أو إصدار مثل هكذا قانون.
■ كيف تصفون علاقتكم ببقية المكوّنات العراقية؟
علي صعيد المكوّن الشيعي، هناك التيار الصدري الذي يقف خارج التحالف الوطني، ويغرّد خارج السرب بطريقته الخاصّة. في العراق، هناك ظاهرة بأنّ كل الكيانات والمكوّنات لديها خلافات في ما بينها، لكن أحسنهم هو التحالف، الذي وحّد الأطياف والقوي السياسية، تحت مظلّته، بمجموعٍ يبلغ حوالي 150 مقعداً (دون احتساب الصدريين)، ما يمثّل الثقل الموجود في البرلمان. نحن أفضل المكوّنات (التحالف الوطني)، لدينا مرجعية متفق عليها، ولدينا هيئة قيادية، وهيئة سياسية، وهيئة عامة، إضافةً إلي وجود تفاهماتٍ في ما بيننا للانتخابات المقبلة.
علي صعيد المكوّن السني، فإنّ هذا المكوّن يُعدُّ أكثر الأطراف تشتتاً. فهم يفتقرون إلي مرجعية موحدة، دينية كانت أو سياسية. كل ذلك نتيجة اللعبة التي لعبتها بعض الدول العربية والخليجية إضافةً إلي تركيا. السُنّة لا يزالون مجزّئين، ونحن بذلنا جهداً معهم من أجل توحيدهم، وخلق مرجعية سياسية لهم، حتي نستطيع الاتفاق معها، إلا أن انقسامهم الداخلي حادٌّ جدّاً، ويتمثل ذلك بوجود أجنحة نافذة لبعض الدول. هناك جناج ولاؤه تركيا، وجناح ولاؤه دول الخليج (الفارسي). نحن نشجّع الجناح الوطني الموجود لديهم، والذي لا يريد أن يتقاطع مع الدول الإقليمية، بل يتبني استراتيجية سياسة وطنية.
■ يشهد العراق احتقاناً طائفياً كبيراً، وأنت متّهم بأنك السبب الرئيسي وراء ذلك، فما تعليقك؟
الخطاب السياسي يعكس الاحتقان الطائفي الكبير. لكن هذا الاحتقان ليس وليد حكومتَي المالكي، إنما بدأ بالظهور مع سقوط نظام صدام حسين. التأجيج الطائفي كان في أشدّه، ووصل إلي حدّ تفجير مرقد الإمامين العسكريين في زمن حكومة ابراهيم الجعفري، ويومها انفجرت المواجهة الطائفية بشكل كبير. تم نسف الحسينيات ومساجد للسُنّة في وقت واحد. وجري اختطاف كثر من الفريقين، وشارك في هذه الحرب الجميع، أبرزهم دعاة الدولة حالياً.
لكننا، تمكنّا ــ سُنّةً وشيعة ــ من صدّ هذه الهجمة، ولولا صدّنا لهذه الهجمة، لما كانت الدولة موجودة. الذين تضرروا من هذه العملية الطائفية هم أنفسهم أهل المناطق، كالأنبار وصلاح الدين والموصل، هم المساكين الذين لا ذنب لهم. ما جري أحدث حالة من الصحوة والانتباه عند المكوّن السُنّي، بأن قيادات علي صلة بدول خارجية هي التي أحضرت هؤلاء الوحوش.
الآن، أهل الموصل، وصلاح الدين، والأنبار، يسألون إن كان ممكناً أن يدخلوا معنا في الانتخابات. قلت لهم إذا دخلتم معنا فإنهم سيضربونكم. قالوا لقد تغيّر المزاج عندنا، وقالوا إن الموقف مني لم يعد كما في السابق. المناخ اليوم أفضل بكثير، هناك انفتاح وإقبال وقبول.
■ هل لا يزال مشروع انفصال إقليم كردستان قائماً؟ وخاصة أن مواقف مسعود البرزاني تدعو بوضوح إلي ذلك، فضلاً عن مطالبته بإجراء استفتاء في كركوك.
الخلافات شديدة بين الحزب الديموقراطي (البرزاني) والاتحاد الوطني (بزعامة جلال الطالباني) وحزب التغيير. وإنّ أزمة كردستان معروفة، فحين تشتد الأزمات الداخلية عند البرزاني، يخرج بتصريحات كهذه.
قضية الانفصال هي للاستهلاك حالياً: لمواجهة التحديات والمعارضين له. إضافة إلي أنه بموجب قانون الإقليم، فإنّ البرزاني لم يعد رئيساً شرعياً (لانتهاء المهلة).
سياسته الداخلية تتسم بالعنف، والتفرد، وتفتقر إلي أي غطاء شرعي. يحكم كردستان علي طريقة شيوخ العشائر الكردية سابقاً، والآغاوات. يودُّ البرزاني، في يوم من الأيام، أن تتيسّر الظروف ويشكّل الدولة الكردية الكبري، واقتطاع أجزاء من سوريا، وإيران، والعراق، وتركيا. إلا أن المعطيات المحيطة لا تسمح بهكذا تصرف، ومن حق الدول ــ علي الأقل علناً ــ أن لا تؤيد هذا التصرف، باستثناء إسرائيل. هو يعتمد علي إسرائيل، في كل سياساته وفي كل مخططاته.
هو يقول إذا رجع المالكي سأنفصل، لأنه يدرك أنني لن أسمح له بهذا التمدد. أنا سابقاً قلت له إذا أردت أن تنفصل فلديك الخط الأزرق ــ عندما بدأت الحرب، واذهب وانفصل ضمنه. هو يعرف أنه إذا انفصل ستأكله تركيا. وهو يقول أيضاً إنني لن أنفصل دون أن أضم منصورية الجبل، والموصل، وغيرها... لقد وقفت في وجهه بشدّة.
كما أن البرزاني، منذ بدء عمليات استعادة الموصل، استولي علي 12 وحدة إدارية في الموصل، من أقضية ونواحٍ، وسط صمتٍ حكومي. أنا لا أستطيع القول إنّ هناك اتفاقاً كما تسأل، ولكن هذا هو الواقع. ليس هناك اعتراضٌ من الحكومة علي تصرفاته، هو يقرر ويتمدد، كما يقرّر ويفعل غيره في الجنوب.
فرصة البرزاني أن تبقي هذه الحكومة ضعيفة، حتي يستطيع التمدد إلي كركوك وغيرها. أما قضية الانفصال فأعتقد أنه لا يستطيع تحقيق ذلك. علي المستوي الداخلي، يفتقر إلي الانسجام مع الأطياف الأخري، وعلي المستوي الخارجي، فإن محيطه لا يقبل ذلك، ولا الوضع الدولي يتقبل ذلك.
بالنسبة إلي استفتاء كركوك، ليس من حقّه أن يجري استفتاءً علي الانفصال، أو تقرير المصير. لا يوجد في دستورنا كلمة تقرير مصير. الأكراد قرروا مصيرهم بهذا الدستور، وصوّتوا عليه، والدستور يقول: العراق جمهورية اتحادية فدرالية، وهم جزءٌ من جمهورية العراق الفدرالية. أما أن يخرج البرزاني، في كل يومٍ ويدعو إلي إجراء استطلاع، وتصويت، واستفتاء، فهذا ليس من حقّه. البرزاني بات لا يري أمامه شيئاً: لا يحترم دولة ويهابها، ويتجاوز كل الخطوط الحمراء. الآن، كردستان أصبحت منبتاً لكل الشركات والمخابرات الإسرائيلية، وللأسف ــ يومياً ــ تري الأطياف تأخذ وفوداً وتسافر إلي أربيل، أما مسعود نفسه، فلا يكلّف نفسه ويأتي إلي بغداد، ويصرّح دائماً ويتحدي العاصمة، ويبيع النفط كما يشاء، ويتحدّث ويتحرّك علي الأرض كما يشاء، ويضطهد الأقليات والمكوّنات، ولا يُسمع كلمة رفضٍ من الحكومة، أو من القوي السياسية. هذه هي المشكلة التي نواجهها الآن، والبرزاني ليس من النوع الذي يُمنح مثل هكذا حريّة، إنما يجب أن يواجه بالحقائق، والوقائع، وإن اقتضي الأمر يجب أن يُردع بالقوة.
■ كيف ترون أداء حكومة حيدر العبادي؟
علي صعيد مكافحة الإرهاب، فإنّ الأداء الحكومي جيّد، برغم المخالفات التي حصلت وإدخال قوات دولية دون قرار برلماني. تقدّمها جيد، ولكن هذا لا يكفي، فالدولة (لا تعني حصراً) مكافحة الإرهاب، ومقاتلة داعش. هيبة الدولة الآن باتت محل إشكال، وما يقلقنا هو التجاوزات والوضع الأمني السيئ، والتمرد الحاصل علي الدولة.
الدولة تنشغل في قتال «داعش»، وتنسي البصرة. ما يحدث في البصرة، وبغداد، وسامراء يشير إلي إمكانية خسارة تلك المناطق. هل نربح الموصل ونخسر البصرة، وكربلاء، والنجف؟ بالأمس، احتلوا مطار النجف وأسواقها، هذا الجانب خطيرٌ جدّاً، وإذا لم تتم معالجة الوضع فسينهار ويتدهور، وسيكون هناك فرصة للميليشيات والعصابات والخارجين عن القانون كي يتمردوا.
بالنسبة إلي الوضع الاقتصادي، هو مرتبك جدّاً، وصل إلي حد قطع الرواتب عن موظفي الدولة، وتوقف المستشفيات عن تقديم العلاج للمرضي. أنا لا أفهم سبب سحب الحكومة من احتياط البنك المركزي 40 ملياراً. لقد سلّمت الخزينة باحتياط يبلغ 83 ملياراً، والآن بات 40 ملياراً، هذا خطر. يقولون إن هناك ديوناً متراكمة، أين تذهب كل تلك الأموال؟ يقولون إن الحرب قائمة، ويشترون السلاح والعتاد، لكن في الحقيقة أنا اشتريت كل السلاح، هم لم يشتروا السلاح، باستثناء العتاد والأدوات الاحتياطية. لقد اشتريت السلاح من إيران أثناء هجوم «داعش»، وقبله اشتريت طائرات من أميركا، وكوريا، ودبابات من روسيا.
إضافةً إلي سقوط هيبة الدولة، والوضع الاقتصادي، فإن الواقع السياسي ليس بأشفي حالاً. هل من المعقول أن تعجز حكومة عن تعيين 3 وزراء، وهي حكومة فريق منسجم، وقوية، وديموقراطية. ضعف الدولة، فجّر ظاهرة الفساد، الذي وصل إلي حال الاستشراء في كامل مفاصل الدولة، من الشرطي الي الوزير. أنا أخشي اليوم أن تتطور هذه التداعيات، وتحدث أزمة كبري، ولعل أحد أهدافها تعطيل الانتخابات المقبلة.
■ كيف تقرأون «قمّة الرياض» الأخيرة؟
قمة الرياض يجب أن تُقرأ من باب: من هو المستفيد، ومن هو الخاسر؟ فالمستفيد هو إسرائيل. نتنياهو إن لم يكن حاضراً بشخصه، فهو موجود بعقله وفكره، وثبّت ذلك ترامب بزيارته لإسرائيل. ترامب أراد أن يقول لهم إنني أقدّم لكم ما أريد، وأذهب إلي إسرائيل، وأقدّم لها ما أريد.
الرابح الثاني هو أميركا، التي حازت استثمارات، وأموالاً، وعقوداً. أصبح لأميركا ــ كما كان يقول ترامب ــ حضور قوي، واستطاعت أن تنشئ ما يشبه تحالفاً عربياً ــ إسلامياً.
الرابح الإعلامي نسبياً في هذا المهرجان، هو السعودية، التي أصبحت رائدة أو رئيسة للتحالف العربي ــ الإسلامي. هذا هو طموحها، الذي أوصل المنطقة كلها إلي ما هي عليه. لقد أعطوا السعوديين لعبةً كما يعطي الطفل، لعبةً ليلهو بها.
السعوديون عبروا عما يفكرون به بطريقة منفعلة وواضحة وعنيفة وحاقدة. لقد جعلوا إيران وحلفاءها هدفاً لهم. بنظرهم، هم يحشدون قواهم لضرب إيران، ونقل المعركة كما قال محمد بن سلمان إلي الداخل الإيراني. إيران ليست ضعيفةً بهذا الشكل، ولا السعودية قويةٌ بهذا الشكل، ولا الدول التي وقفت في هذا المؤتمر ستمشي تحت جناح السعودية لقتال إيران، ولا أميركا نفسها ستمضي مع السعودية في قتال إيران.
وهذا يعني، أنه في نهاية المطاف، ستكون السعودية هي الخاسر الأكبر، التي أعطت أموالها، وكشفت عن حقيقة عدوانيتها... وهذا سيحمّلها ضريبةً كبيرةً.
انتهي**2054** 2344
www.irna.ir