
ولأن الجزائر تواجه، منذ ثلاثة سنوات، أزمة تمويل جراء شح المداخيل المعتمدة أساسا علي موارد المحروقات (النفط والغاز)، فإن المخطط الذي قدمه الوزير الأول الجزائري ركز بالأساس علي الجانب الاقتصادي وانتهاج 'مسعي ميزانياتي مجدد' يعتمد علي تنويع الاقتصاد الوطني بشكل يرسخ نموا 'حيويا وقابلا للاستمرار'، بعد أن تبينت 'محدودية النمو المرتكزة علي النفقات العمومية وحدها'، وبالتالي الذهاب نحو تطوير القطاعات المنتجة للثروات والقيمة المضافة والتشغيل'.
وتسعي الحكومة الجديدة، حسب ما جاء في نص مخطط عملها، إلي الحفاظ علي التوازنات المالية الكبري للبلاد، من خلال تحسين إيرادات الجباية العادية لتغطي في النهاية أهم نفقات التسيير، وترشيد النفقات وحشد الموارد الإضافية اللازمة من السوق المالية الداخلية.
وفي هذا الإطار تقول الحكومة إنها ستعمل علي التدرج في تكييف الميزانيات والتحكم الأفضل في النفقات العمومية، من خلال إعادة ترتيب النفقات في مستويات معيارية، قصد ضمان تماسك سياسة الميزانية مع الإبقاء علي الطابع الاجتماعي للاقتصاد الوطني.
في هذا الإطار تعتزم الحكومة مراجعة أسس فرض الضريبة علي الممتلكات ونسب بعض الضرائب بغرض تكييفها مع مداخيل الخاضعين للضريبة في إطار المساواة والعدالة الاجتماعية.
وترتقب الحكومة الشروع في إصلاح النظام الجبائي لضمان تغطية تدريجية لنفقات التسيير بإيرادات الجباية العادية التي ستأخذ في التقدم بنسبة 11 في المائة سنويا، ويتعلق الأمر بتدعيم محاربة الاحتيال والتهرب الجبائي وتسريع عصرنة الإدارة الجبائية من خلال تكوين الموارد البشرية وتعميم إدخال التسيير الإلكتروني للضريبة.
كما تعتزم الحكومة تدعيم القواعد التي تحكم تغطية الضريبة وتحسين التحصيل الجبائي، لاسيما الرسم علي القيمة المضافة وكذا مراجعة عدد من الإعفاءات الجبائية. كما ستسعي إلي فرض الجباية علي عمليات التجارة الإلكترونية وتحسين العلاقات مع الخاضعين للضريبة، من خلال مواصلة عملية تبسيط وتخفيف الإجراءات الجبائية.
بالموازاة تفكر الحكومة بجدية في إعادة النظر في سياسة دعمها للفئات الاجتماعية الهشة في المجتمع التي تكلف خزينة الدولة في حدود 65 مليار دولار، وبالتالي عقلنة التحويلات الاجتماعية بما يتناسب والواقع المالي للبلاد.
ويشير مخطط عمل الحكومة إلي أن النفقات العمومية الموجهة نحو مختلف الإعانات والإعفاءات الجبائية ستكون محل تقييم لفاعلية مختلف سياسات التشجيع، قصد تقليص تلك الموجهة لنشاطات لا تنتج عنها أية تداعيات إيجابية بالنسبة إلي الاقتصاد أو المجتمع.
وتقول الحكومة إنها ستعمل علي الانطلاق في مشاورات واسعة بمشاركة البرلمان والأحزاب السياسية والمجتمع المدني، قصد التكييف التدريجي لسياسة التحويلات الاجتماعية، لإضفاء الفاعلية والكفاءة عليها وإرساء العدل والإنصاف الاجتماعيين بشكل أكبر من خلال استهداف دقيق.
وستسهر الحكومة من خلال مخطط عملها علي إعداد سياسات فعالة لإعادة التوازن التعريفي الذي سيتم وضعه بشكل تدريجي قصد التقرب من التكاليف الاقتصادية لهذه الخدمات مع الحفاظ علي التعريفات التي تلائم الأسر ذات الدخل الضعيف.
في هذا السياق تري بعض القراءات أن الحكومة الجديدة تريد أن تستلهم من التجربة الإيرانية في مجال توجيه الدعم للشرائح الاجتماعية التي نستحقه، علي اعتبار أن النموذج الإيراني في هذا المجال من أكثر النماذج فعالية، خلال السنوات الأخيرة، بشهادة البنك العالمي، وتمكن من سحب 3 ملايين عائلة ثرية من قائمة أي دعم سنة 2014، وتراجعت قيمة التحويلات الاجتماعية بمعدل 4 في المائة.
في سياق متصل أكد الوزير الأول عبد المجيد تبون أنه من اليوم فصاعدا ستكون هناك حدود واضحة بين الدولة ورجال الأعمال، وسيتم التفريق بين السلطة والمال.
وقال تبون، ردا علي ما يجري تداوله من تغلغل نفوذ المال في السياسة ودواليب الدولة، 'إن الجزائر هي بلد الحريات ومن حق أي مواطن أن يمارس السياسة أو المال، لكن بفصلهما ودون الجمع بينهما، إضافة إلي أنه سيتم الحرص علي هذا التفريق 'ليسبح كل في فلكه'، حسب تعبيره.
وأضاف تبون: 'قد يروج أننا سنصطدم بأصحاب المال، هذا غير صحيص، نحن متيقنون أن الثروة لا تأتي إلي بالمؤسسات الاقتصادية، فالمال لن يتوغل في دواليب الدولة'.
كما أكد تبون أن خزينة الدولة لن تمول مستقبلا الاستثمار الذي لا يعود بفائدة مباشرة علي ميزانية الدولة، مضيفا أنه بهذه الطريقة وحدها، يمكن إيجاد بديل للمحروقات، 'فليس هناك استثمار من أجل الاستثمار، بل يجب أن يضمن مردودية'.
ويحظي السكن والتشغيل والأمن وتعزيز الاقتصاد بأولوية كبيرة في مخطط عمل الحكومة الجديدة، رغم الضائقة المالية التي تمر بها البلاد جراء تهاوي أسعار النفط في الأسواق الدولية، واستمرار تراجع احتياط الصرف وصندوق ضبط الإيرادات.
وستسعي حكومة تبون إلي العمل علي تحقيق نمو الناتج المحلي الخام خارج المحروقات بنسبة 6،5 في المائة سنويا خلال الفترة الممتدة من 2020 إلي 2030، وذلك عبر ترقية الاستثمار، وتوسيع النسيج الصناعي، وتثمين الموارد الطاقية، وتطهير المحيط الاقتصادي والتجاري، من خلال تسهيل إدماج النشاطات الموازية في المجال الرسمي وضبط السوق ومكافحة الغش والتهريب وتحسين التحصيل الجبائي، فضلا عن الاستمرار في تشجيع القطاعات الاقتصادية الناجعة علي غرار القطاع الفلاحي.
وفي مجال السكن، تعهدت الحكومة بمواصلة مشاريع السكن حيث تم التخطيط لإنجاز قرابة 1,9 مليون وحدة سكنية بحلول 2019. كما وعدت بالتقليص من نسبة البطالة وتوظيف 474 ألف عاطل عن العمل في إطار آلية دعم تشغيل الشباب، ومواصلة العمل بمجانية العلاج في القطاع الصحي، كونه إجراء دستورياً يجب التقيد به.
هذا وتضمن مخطط عمل الحكومة ترقية الديمقراطية والحكم الراشد، مع التنمية الاجتماعية والاقتصادية، إضافة إلي الالتزام بمواصلة مسعي تعزيز دولة القانون، وترقية الحريات، والتأكيد علي مكانة الجزائر دوليا، ودورها في ترقية السلم والاستقرار عبر العالم، وتعميق محاور مسار إصلاح قطاع العدالة، وإصلاح الإدارة، ومحاربة البيروقراطية.
انتهي**472**2041**1369
www.irna.ir