عطوان: التَّدخُل العَسكري الأمريكي في سوريا مُستَبعد كُلِّيًّا

و جاء في مقال كتبه رئيس تحرير صحيفة راي اليوم 'عبد الباري عطوان' إن اللُّغة التي يَستَخدِمها بَعض المَسؤولين في الإدارةِ الأمريكيّة في التَّعاطي مَع الأزمةِ السُّوريّة تُوحِي بأنّهم تَخرَّجوا من أكاديميّات لها عَلاقة “بِعِلم الحَيوان”، فالرئيس دونالد ترامب وَصَفَ الرئيس بشار الأسد قبل يَومين بأنّه “حيوان”، وأمس أكّدت السيِّدة نيكي هايلي “أن الوَحش المَسؤول عن الهُجوم الكِيماوي في الغُوطة الشرقيّة هو روسيا التي لا تَشعُر بالخِزي وتُواصِل دَعم النِّظام السُّوري”.
إن هذهِ التَّوصيفات والألفاظ “الشوارِعيّة” تَعكِس حالةً مِن الارتباك، وليس تأكيدًا علي القُوّة، فالقَويّ الواثِق مِن نَفسِه لا يَهبِط إلي هذا المُستَوي من أدَب التَّخاطُب،
ويَختار كَلماتِه بعِنايَةٍ فائِقةٍ تَرتَقي إلي مَكانَتِه ووَظيفَتِه.
حتي لا نَغْرَق في التَّعميم، نُؤَكِّد أنّ هُناك “عُقَلاء” في الولايات المتحدة، يَنظَرون إلي تَطوُّرات الأزمةِ السُّوريّة الحاليّة المُتعلِّقَة باتّهامات للحُكومة السوريّة باستخدام أسلحةٍ كيماويّةٍ في الغُوطة، بِطَريقةٍ مُختَلِفة، ومِن بين هؤلاء العَقيد بات لانغ، الذي عَمِل في القُوّات الخاصَّة، ووكالة المُخابَرات العَسكريّة الأمريكيّة، وخَدَمَ في مِنطَقة الشَّرق الأوسَط لعِدّة سَنَوات.
العقيد المُتقاعِد لانغ وَجّه رِسالةً إلي جيمس ماتيس، وزير الدِّفاع الأمريكي، يُخاطِبُه فيها بِقَولِه “أرجوك سيّدي أن تَنظُر في احتمالات أن يكون الهُجوم بغاز الأعصاب في الغُوطةِ الشرقيّة من تَنفيذ فَصائِل مُعارِضة مُحاصَرة في دوما، ولأهدافٍ دِعائيّةٍ بَحتة لدِفْعِنا كأمريكيين للإقدام علي رَدِّ الفِعل الذي نَراه حاليًّا في وسائِل الإعلام الغَربيّة، المُعارَضة هُزِمَت في الغُوطةِ الشرقيّة، ومُقاتِلوها وعَوائِلهم جَري تَرحيلهم إلي مدينة جرابلس قُرب الحٌدود التركيّة عَبر حافِلاتٍ مُكيّفة، فماذا تستفيد الحُكومة السوريّة المُنتَصِرة من استخدام الأسلحة الكيماويّة؟ آمل أن تُرسِل فَريقًا مُتخَصِّصًا لتَقصِّي الحَقائِق قَبل الإقدام علي أيِّ عَمَلٍ عَسكريّ”.
لا نعتقد أن وزير الدِّفاع الأمريكي سيُعطِي هذهِ الرِّسالة أيَّ اهتمام، لسَببٍ بَسيط، وهو أنّ قَرار تَوجيه ضربات عَسكريّة انتقاميّة إلي أهدافّ سُوريّة، وربّما روسيّة وإيرانيّة أيضًا، فالرئيس ترامب حَمّل الرئيس فلاديمير بوتين المَسؤوليّة عن هذا الهٌجوم الكيماوي، ومَندوبَتِه في الأُمم المتحدة كرَّرَت الاتّهامات نَفسها، وقالت في كَلِمَتها أمام مجلس الأمن أمس أنّ حُكومَتها ستَرُد عَسكريًّا، سَواء اتّخذ المَجلس قرارًا بإدانة سورية وروسيا أم لا، مِثلما نَجْزِم في الوَقتِ نَفسِه بأنّ الإدارة الأمريكيّة لن تستجيب لتَرحيب السُّلطات السُّوريّة بِوَفد تَقصِّي حقائِق تُرسِله مُنظّمة حَظْر انتشار الأسلحة الكيماويّة إلي الغُوطةِ الشرقيّة.
الرئيس ترامب الذي قال قبل أُسبوع أنّه سيَسْحَب قُوّاتِه من سورية ألغي جَولةً كان سَيقوم بِها إلي أمريكا الجنوبيّة لحُضور اجتماع قِمّة الأمريكيّتين المُقَرَّرة في ليما، عاصِمة البيرو، يَوميّ الجمعة والسبت القادِمين، والنَّتائِج التي يُمكِن أن تترتّب عليها، وأوْعَز في الوَقتِ نَفسِه بإرسال مُدمِّرة بَحريّة أمريكيّة مُجَهّزة بِصَواريخِ “توماهوك” إلي شَرق البحر المتوسط قُبالَة السَّواحِل السُّوريّة.
كُل الدَّلائِل تُشير إلي أنّ عُدوانًا ثُلاثيًّا أمريكيًّا فَرنسيًّا بِريطانيًّا باتَ وَشيكًا علي سورية استكمالاً للعُدوان الإسرائيلي الذي اسْتَهدف قاعِدة “تيفور” الجَويّة السُّوريّة قُرب مدينة حمص، وأدّي إلي استشهاد 14 جُنديًّا سُوريًّا وإيرانيًّا، بِقَصفٍ صاروخيٍّ لطائِرات “إف 15” من الأجواء اللُّبنانيّة فَجْر أمس.
أي ضَربَة عَسكريّة لأهداف سُوريّة، سواء كانت ثُلاثيّة أو رُباعيّة، لن تُغيِّر الوَقائِع علي الأرض أو نتائِج الحَرب في سورية، فالجَيش السوري استعادَ مُعْظَم المُدن الكُبري، وأنهي التَّهديد الصَّاروخي الذي كانَ يَستهدِف العاصِمة دِمشق بعد استعادته للغُوطةِ الشرقيّة كامِلة، ولم يَعُد هُناك أحد يُجادِل، أو يَتجرّأ، علي الحَديث عن مُستَقبل الرئيس السوري بشار الأسد في السُّلطة.
التَّغيير الوَحيد الذي يُمكِن أن يُغيِّر الوقائِع علي الأرض في سورية هو التَّدخُل العَسكري الأمريكي الشَّامِل علي غِرار ما حَدث في العِراق عام 2003، وهذا مُستَبعد كُلِّيًّا، لأنّ العَواقِب سَتكون كارِثيّة علي أمريكا، وسَيكون الثَّمن باهِظًا “جِدًّا”، واحتمالات الصِّدام مع روسيا وقَواعِدها سَتكون حَتميّة.
الرئيس ترامب تَورَّط مِن خِلال تهديداتِه بِتَوجيه ضَربات انتقاميّة، ولا يَستطيع أن يَتراجَع ويَظهَر بِمَظهَر الضَّعيف المُترَدِّد، ومن غَير المُستبعَد أن يَكون عُدوانه الثُّلاثي المُقبِل استعراضيًّا، وسَتكون أهدافه سوريّة مَحضَة، لِتَجنُّب احتكاكٍ روسيّ، بعد تَهديدات الجِنرال فاليري غراسيموف، رئيس هيئة أركان الجيش الروسي، بأنّ القُوّات الرُّوسيّة ستَرُد ليس فقط علي الصَّواريخ في حالِ تَعرُّض أرواحِ الجُنود الرُّوس للخَطر، وإنّما للقَواعِد والسُّفن التي انطلقت مِنها أيضًا.
الرئيس بوتين يَلتَزِم الصَّمت تُجاه هذهِ التَّهديدات الأمريكيّة، ونَعتقِد أنّه صَمت الواثِق الذي يَتْرُك “الثَّرثَرة” للآخرين، والأمر المُؤَكَّد أنّه سَيكون هُناك “رَدْ علي الرَّد” علي الأرجَح، من الصَّعب علينا أن نَتكهّن بِطبيعَتِه وحَجْمِه.
السَّاعات القادِمة ربّما تَكون الأخطَر في تاريخ المِنطَقة مُنذ عُقود، وقَد تُؤرِّخ لانسحابٍ أمريكيٍّ شامِل، وبِدء مَرحَلة الانعزال الأمريكي الذي يُلَوِّح بِه الرئيس ترامب.
روسيا التي أُهينَت في أفغانستان، وأُذِلَّت في العِراق، وخُدِعَت في ليبيا، لن تَقبَل الهَزيمة في سورية.. والأيّام بَيْنَنَا.
انتهي**1110 ** 1837