solhkhabar
وكالة الأنباء الكويتيّة التي وزّعت نَبأ توقيع هَذهِ “المُعاهَدة”، قالت أنّ اللواء الركن محمد الكندري، نائب رئيس هيئة أركان الجيش الكويتيّ ونَظيره التركيّ العميد إموت يلدير، وَقّعا علي الاتّفاق، وأضافَت بأنّه جَري الاتِّفاق علي تَبادُل الخُبرات العَسكريّة وتَوحيد الجُهود، دُونَ كَشفِ المَزيد مِن التَّفاصيل حول البُنود الأُخرَي.
مَصادِرٌ كُويتيّةٌ تَحدّثت إلي “رأي اليوم” لم تَستبعِد أن تكون هَذهِ “المُعاهَدة” تتضمّن تَواجُد قُوّات تركيّة في الكويت، وشِراء صفقات أسلحة تركيّة خاصَّةً في ميادين الدُّروع، علي غِرار مُعاهَدة الدِّفاع المُشتَرك القَطريّة التركيّة التي حَمَت الدوحة مِن اجتياحٍ عسكريٍّ للدول الأربَع التي تُقاطِعها وتَفرِض حِصارًا عليها في بِدايَة الأزَمَة الخليجيّة قبل عامٍ ونِصف العام تَقريبًا، وكان أوّل مَن كشف الاحتمالات الجديّة لهذا الغَزو الشيخ صباح الأحمد الجابر أمير الكويت الذي قال أنّ وِساطَة بِلاده مَنَعت الحَرب.
***
المَعلومات المُتَوفِّرة لدينا أنّ عدد القُوّات التركيّة المُتواجِدة في قاعدة عسكريّة تركيّة قُرب العيديد يَصِل إلي 35 ألف جُندي بكامِل مُعدّاتهم الثَّقيلة، ولَعِبت تركيا دورًا كبيرًا في تخفيف آثار الحِصار عَن قطر عِندما أقامَت جِسرًا جَويًّا لتَعويضِ كُل الوارِدات القطريّة القادِمة من السعوديّة التي تَوقّفت في بِدايَةِ الأزَمَة، وإغلاق الحُدود بين البَلدين.
السُّلطات القطريّة ردّت هذا الجَميل بزِيادَة استثماراتِها الماليّة في تركيا، وزارَ الأمير تميم بن حمد آل ثاني أنقرة في ذروة أزمة تراجُع قيمة الليرة التركيّة حامِلًا في حقيبته صَكًّا بـ15 مِليار دولار لدَعم العُملة التركيّة، سواء علي شَكلِ استثمارات، أو ودائِع في البنك المركزي التركي، ونَجَحت هَذهِ الخطوة في وقف انهيار الليرة وعَودَتِها تَدريجيًّا إلي حالةٍ مِن الاستقرار النِّسبيّ.
كان لافِتًا أنّ جميع الصُّحف الكويتيّة بِما في ذلك تِلك القريبة مِن المملكة العربيّة السعوديّة، أبرَزت تصريحات السيد مرزوق الغانم، رئيس مجلس الأُمّة الكويتي التي أدلي بِها علي هامِش مُشاركته في المُؤتمر الثالث لرؤساء البرلمانات الآسيويّة الأُوروبيّة، الذي انعَقد في مدينة أنطاكيا التركيّة الساحليّة التي فاجَأ فيها الكثيرين بتأكيده علي أنّ تركيا “ليسَت جمهوريّة موز وستتجاوَز الحرب الاقتصاديّة التي تُشَن ضِدّها، وهي حَربٌ ستَفْشَل حَتْمًا”.
أهميّة هَذهِ التَّصريحات، إلي جانِب الاتِّفاق أو المُعاهَدة العسكريّة التركيّة الكويتيّة تأتِي ليس فقط مِن عَكْسِها للانفتاح الكويتي علي تركيا، وإنّما بسبب تَوقيتِها أيضًا، ونُشير إلي عِدّة نُقاطٍ في هذا الصَّدد:
ـ أوّلًا: أنّها تأتِي في ذَروة التَّوتُّر في العَلاقة السعوديّة التركيّة علي أرضيّة “أزَمَة” اختفاء الصحافي السعودي جمال الخاشقجي، وتَزايُد التَّسريبات الرسميّة عن قَتلِه، وربّما تقطيعه، داخِل القُنصليّة السعوديّة في إسطنبول علي أيدِي فريق مِن رجال الأمن السُّعوديّين قَدِموا خِصِّيصًا مِن الرياض لهَذهِ المُهِمّة، وتأكيد السُّلطات التركيّة أنّ الخاشقجي دَخَلَ القُنصليّة حيًّا ولم يُغادِرها.
ـ الثاني: أنّ هذا التَّقارُب التركيّ الكويتيّ يأتِي بعد فشل الزيارة التي قال بِها الأمير محمد بن سلمان، وليّ العهد السعودي إلي الكويت يوم السبت الماضي، في حَل الخِلاف بين البَلدين حول آبارِ نِفطٍ مُشتَركةٍ في حَقليّ الخفجي والوفرة، وهِي الآبار التي أوقَفت السُّلطات السعوديّة إنتاجها عام 2014، وتُطالِب الكويت بتَعويضاتٍ تَصِل إلي 8 مليارات دولار مُقابِل حصّتها التي تَصِل إلي 250 ألف برميل يوميًّا مِنها (500 مليون برميل يوميًّا حجم الإنتاج الكُلّي)، وقد اعتَرَف الأمير بن سلمان الذي اختصَر زيارته مِن يومَين إلي ساعَتين بوُجودِ خِلافاتٍ مع الكُويت حَوْلَ هَذهِ الآبار.
ـ الثالث: حالةُ الجَدل، بَل الغَضب، التي أثارَتها تَغريدات الأمير خالد بن عبد الله بن فيصل بن تركي آل سعود علي حِسابِه علي “التويتر” في أوساطِ الكُويّتيين التي قال فيها “أنّ الكويت تحتاجُ لعاصِفةِ حَزمٍ داخليّةٍ لتَطهيرِها مِن قَذارَة الإخونج وأذناب تنظيم الحمدين (قطر) فالوَضع زادَ عن حَدّه”.
ـ الرابع: إطلاق السُّلطات السعوديّة حملةَ تَحذيرٍ لسُوّاحِها الذين يتدفّقون إلي تركيا هَذهِ الأيّام ويُقدَّر عددهم أكثر من 600 ألف سائِح سَنويًّا، بمُقاطَعة تركيا والبَحث عن أماكِن سياحيّة أُخرَي لانعدام الأمن فيها أوّلًا، ولمَوقِفها المُعادي لبِلادِهم، وتَمتَلِئ وسائِط التواصل الاجتماعي بتغريداتٍ تَعكِس تَوجُّهاتً رسميّةً في هذا الصَّدد.
***
ظُهور الخِلافات السعوديّة الكويتيّة بهَذهِ الطَّريقة التي تَعكِس خُروجًا عن التَّقاليد الخليجيّة المَعروفة بالتَّمَسُّك بفَضيلة الكِتمان يُوحِي بأنّ حالة الانقسام في مَنظومَة مجلس التعاون الخليجي تتوسّع وتتعمّق، وتَطفو علي السَّطح، وأنّ الكويت باتَت أقرَب إلي المِحوَر القطريّ العُمانيّ في الأزمةِ الخليجيّة، وكانَ لافِتًا أنّ الدُّوَل الثَّلاث حَرَصَت علي إدانَة الهُجوم “الإرهابي” الذي استَهدَف عَرْضًا عَسْكريًّا في اهواز، جنوب غرب إيران، وأدّي إلي مَقتَل وإصابَة 85 شَخْصًا بينَما لم تَفْعَل الشَّيء نفسه الدُّوَل الثَّلاث الأُخرَي المُقاطِعة (بكَسر الطَّاء) لدَولَة قطر، أي السعوديّة والإمارات والبحرين.
مِن المُؤكَّد أنّ هَذهِ الخِلافات ستَنعَكِس بصُورةٍ أو بأُخرَي، علي خُطَط الرئيس ترامب بإنشاءِ حِلف “الناتو” العربي، ويَضُم دُوَل الخليج( الفارسي ) السِّت إلي جانِب الأُردن ومِصر، وسيتم تدشينه في اجتماعٍ خاص يُعقَد في مطلع العام الميلادي القادم في واشنطن، ومعلوماتنا تُفيد بأنّ الدُّوَل الثَّلاث (الكويت، قطر، وسلطنة عمان)، غير مُتَحَمِّسة لهَذهِ المَنظومة التي ستَقِف في الخَندق الأمريكيّ ضِد إيران.
الكُويت بَدأت التَّغريد خارِج السِّرب السُّعوديّ في الوَقتِ الرَّاهِن علي الأقَل، وربّما تكون وساطَتها لحَل الأزَمَة الخليجيّة وصلت إلي طَريقٍ مَسدودٍ، إن لم تَكُن، انتَهَت فِعْلًا.. والأيّام المُقبِلة ستَكْشِف الكَثير مِن المُفاجَآت.. واللهُ أعْلَم.
راي اليوم : عبد الباري عطوان
انتهي ** 1837