الصفحة الرئيسية / سیاسیة / السعوديّة لن تُسَلِّم المُتَّهَمين بقَتلِ خاشقجي

السعوديّة لن تُسَلِّم المُتَّهَمين بقَتلِ خاشقجي

فكانَ لافِتًا أثناء سَردِه للوقائِع عِدَّة أُمور، أهمّها أنّه لم يَتطرَّق مُطلَقًا إلي الأمير محمد بن سلمان، وليّ العَهد، وحَرَصَ علي التَّأكيد علي ثِقَتِه بالعاهِل السعوديّ الملك سلمان، والتَّلميحِ إلي دَورِ الأوّل كمُتَّهمٍ رَئيسيٍّ بالوُقوف خلف هَذهِ الجَريمة، وإصدارِ الأوامِر بتَنفيذِها، والتَّمييزِ بينَهُ وبينَ والِده، كما كَشَفَ الرئيس أردوغان في الخِطاب نَفسِه أنّه كانَت هُناك نيّة مُسبَقة تَكمُن خَلفَ هَذهِ الجَريمة، وشَدَّد علي ضَرورَة مُحاكَمة المُتَّهَمين المُنَفِّذين وعددهم 18 شَخصًا أمام المَحاكِم التُّركيّة.
***
ثَلاثَة مؤشرات تُؤكِّد في رأيِنا أنّ الرئيس أردوغان أدخَلَ تَعديلاتٍ علي خِطابِه، وحذَفَ العَديد مِن الوقائِع الدَّامِغة، خاصَّةً حول جُثمان الصِّحافي الضحيّة ووضعيّته، وبَعضِ الأدلَّةِ الدَّامِغة التي جَري العُثور عليها أثناء تَفتيشِ القُنصليّة ومَقرِّ القُنصُل مِن قِبَل المُحقِّقين الأتراك:
ـ الأوّل: وصول السيّدة جينا هسبل، رئيسَة جهاز المُخابرات المَركزيّة الأمريكيّة “سي آي إيه” إلي أنقرة قبل ساعاتٍ مِن إلقاءِ الرئيس أردوغان خِطابه، واعتَرف السيد مولود جاويش أوغلو للمَرَّةِ الأُولي أنّ بِلاده قدَّمت مَعلوماتً كافِيةً بالطُّرُق الرسميّة المُتَّبعةِ لحُلفائِها حول قضيّة الاغتيال، ومِن غَير المُستَبعد أن تكون السيدة هسبل طلَبت “التَّأنِّي” و”التَّريُّث” في كَشفِ الحَقائِق خاصَّةً في ظِل التَّطوُّر اللَّافِت في العَلاقات التركيّة الأمريكيّة بعد الإفراجِ عَن القِس برونسون.
ـ الثاني: المُكالَمة الهاتفيّة التي جَرَت بين الرئيس أردوغان ونَظيرِه الأمريكيّ دونالد ترامب قبل يَومٍ مِن الخِطاب.
ـ الثالث: تغيير الخِطاب السعوديّ تُجاه تركيا مِن العَداء المُطلَق إلي التَّودُّد الكامِل، فقد تحوّلت تركيا إلي دَولةٍ شَقيقةٍ، والرئيس أردوغان إلي زَعيمٍ إسلامِيٍّ مُحتَرمٍ، وكُل هذا بعد المُكالمة الهاتفيّة التي جَرَت بين العاهل السعوديّ والزعيم التركيّ قَبْلَ الخِطاب.
السيد أوغلو وزير الخارجيّة استَغَلَّ مُؤتَمره الصِّحافيّ الذي عَقَدَه مع نَظيرِه الفِلسطيني امس لكيّ يقول أنّ هُناك مَجموعةً مِن التَّساؤلات ما زالَت مَطروحَةً، تتَطَلَّب إيضاحًا أهمّها عَن الجِهة التي أصدَرَت أمْرًا بالقَتلِ، وعدم تقديم المَعلومات عَن مَكانِ جُثمان الضحيّة، والعَميل المَحليّ الذي تَسلَّمَها مَلفوفَةً في سَجَّادَة.
نَحنُ نَسأل بدَورِنا، إذا كانت السُّلطات التركيّة تَملُك الأدلّة الكافِية عن وُجودِ نيّةٍ مُسبَقَةٍ لاغتيال الخاشقجي، وأنّها قدَّمتها إلي السُّلطات السعوديّة وباشَرت الأخيرة التَّحقيق بشَأنِها وخاصَّةً الفَقَرة المُتعَلِّقة بوصولِ عَناصِر تابِعة للمُخابرات السعوديّة مُقَدَّمًا إلي أنقرة للتَّحضيرِ لعمليّة الاغتيال، فلماذا لم يَتِم اعتقال هؤلاء ومَنعِ حُدوث الجَريمة، خاصَّةً أنّهم ليسوا دِبلوماسيّين، وإنّما رجال أمن، اللَّهُمَّ إلا إذا كانَ الكشف عَن هَذهِ الأدلّة جاءَ بعد التَّنفيذ، وهذا أمْرٌ يتَطلَّبُ إثباتًا وتَوضيحات.
السعوديّة لن تُسَلِّم المُتَّهمين إلي تركيا، ولن تَسمَح بمُحاكَمتهم أمام محاكِم تُركيّة، فقد رفَضَت رَفضًا تامًّا تسليم المُتورِّطين بتَفجيرِ مَقرِّ القُوّات الأمريكيّة في الخُبر عام 1996، وهم سُعوديّون، قيل أنّهم ينْتَمون إلي حزب الله السعوديّ في حينِها، رُغم الضُّغوط الأمريكيّة الشَّرِسَة، ولا نَستبعِد أن تتم مُحاكَمتهم بتُهمَة الفَشَل في تَنفيذِ الجَريمة والتَّستُّر عليها، وإخفاءِ الأدلّة، وإصدارِ أحكامٍ بإعدامِهِم وتنفيذها فَوْرًا.
***
هُناك مُحاولات مِن أكثر مِن جهة “للفَلَفة” هَذهِ القضيّة، يتزعّمها الرئيس ترامب نفسه، ولكنّنا لا نَعتقِد أنّها ستَنجَح لأنّها باتَت قضيّةً تَهُم الرأي العام الأمريكيّ، وتتواجد أجهزة الإعلام الأمريكيّة لاستمرارِها حَيّةً، ليسَ حُبًّا بالعدالة، وإنّما كراهيّةً بالمملكة العربيّة السعوديّة وعلاقتها الوثيقة بالرئيس ترامب، وخاصَّةً بين صِهره جاريد كوشنر والأمير محمد بن سلمان، وبَدَأنا نَقْرأ ونسمع عَن حقائِق جديدة حول هَذهِ العَلاقة، تتعلَّق بمعلوماتٍ تجاريّةٍ، ونَشَرَت صحيفة “وول ستريت جورنال” أمس الاول أن ترامب باعَ شُقَقًا بمَبالِغ تتراوح بين 40 – 50 مليون دولار لأعضاءٍ في الأسرةِ الحاكِمة السعوديّة، عَلاوةً علي 460 مِليار دولار عادَ بِها بعد زِيارته للرياض في أيّار (مايو) عام 2017.
مَرّةً أُخرَي نقول أنّ صحيفة “واشنطن بوست” التي وقَفَت خلف الكَشف عَن فضيحة “ووترغيت” والإطاحة بالرئيس الأمريكيّ ريتشارد نيكسون، وكَشَفَت “ماغنسكي” في الدستور الأمريكيّ التي تُحَتِّم فرض عُقوبات علي الدول الأجنبيّة التي تَنتهِك حُقوق الإنسان يحتاح إلي 120 يَومًا، وإنّما لأنّ عدد المُؤيِّدين في مجلسيّ النوّاب والشيوخ لهذا التَّفعيل تتزايَد يَوْمًا بعد يوم.
الرئيس أردوغان الذي يُوصَف بأنّه شيخ البراغماتيّة السياسيّة سيَجِد نَفسه مُضطَرًّا هَذهِ المَرّة إلي التَّجاوب مع قِطاع لا بأسَ بِه مِن أنصارِه يَكشِف الحقائِق كامِلةً، خاصَّةً بعد فَكِّ الحِزب القَوميّ التركيّ المُتشدِّد تحالفه معه، واستغلال المُعارضة التركيّة هَذهِ الأزَمَة بقُوَّةٍ لتَهشيم صُورته كرَجُلِ قِيَمٍ يتَمَسَّك بالمَبادِئ والأخلاقِ الإسلاميّة.. واللهُ أعْلَم.
راي اليوم : عبد الباري عطوان
انتهي ** 1837

www.irna.ir

تحقق أيضا

قيادي في حركة فتح: نحن جزء أصيل مما يجري من مواجهة في القدس

وقال في تصريح خاص لمراسلنا ان معظم قيادات فتح بالمعتقلات نتيجة ما قاموا به في …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *