
نتنیاهو اخترع قضیة أنفاق “حزب الله” علي الحدود اللبنانیة للغرض نفسه، وأرسل حفاراته وسط تحشید إعلامی غیر مسبوق، وذهب شاكیًا إلي مجلس الأمن الدولی، وعندما فشلت كل مخططاته فی استصدار قرار إدانة من المنظمة الدولیة ضد الحزب نتیجة عجزه عن تقدیم أی أدلة، فتح هذه المعركة الكلامیة مع الرئیس التركی، بطریقة تتسم بالصلف والغرور.
الرصاصة الأولي فی هذه المعركة أطلقها نتنیاهو عندما اتهم تركیا باحتلال شمال قبرص، وقتل الأطفال والنساء الاكراد فی عفرین، ووصف الجیش الإسرائیلی بأنه أكثر الجیوش أخلاقًا فی العالم، ولهذا لا یمكن أن یقبل المواعظ من الرئیس أردوغان الذی یقصف المدنیین دون تمییز.
وإذا كان السید حسن نصر الله، زعیم “حزب الله” قد تعامل مع نتنیاهو ومسرحیته المفتعلة التی حملت اسم “درع الشمال” قرب الحدود اللبنانیة بالتجاهل والاحتقار، وترفع عن الرد علیه، وترك الأمر للقوات الدولیة وممثلیها لكی تفند أكاذیبه ولو إلي حین، فإن الرئیس التركی الذی یدرك جیدًا أن نتنیاهو یدعم الطموحات الانفصالیة الكردیة، ولا یكن ود لبلاده التی تدعم حركة “حماس” لا یستطیع أن یفوت هذه الفرصة، ویلتزم بفضیلة الصمت بالتالی، وكان محقا عندما قال إن نتنیاهو “یمثل صوت الظالمین، ویمارس إرهاب الدولة ولا یحق له توجیه الاتهامات لأی طرف قبل أن تتم محاسبته وكیانه علي خطایاه وجرائم حربه ضد الإنسانیة والمذابح التی ارتكبته”، وذلك فی خطاب ألقاه امس الأحد.
الجیش الإسرائیلی الذی یصفه نتنیاهو بأنه أكثر جیوش العالم أخلاقًا، قتل یوم الجمعة الماضی فقط 16 فلسطینیا معظمهم من الأطفال والمدنیین العزل، وأصاب 1400 منهم، كانوا یتظاهرون كل أسبوع خلف الحاجز الشائك علي حدود القطاع مع فلسطین المحتلة.
هذا الجیش و”أخلاقه الرفیعة” قتل قناصته حتي الآن حوالی 200 متظاهر، وأصاب أكثر من خمسة آلاف آخرین علي مدي الأشهر القلیلة الماضیة، وكان من بین الشهداء أطباء وممرضین ومسعفات وأطفال، مارسوا حقهم المشروع فی الاحتجاج علي الاحتلال برفع الشعارات وأعلام وطنهم، والمطالبة بحق العودة، ولا ننسي استخدامه قنابل الفوسفور الأبیض أثناء العدوان علي القطاع.
والأخطر من ذلك أن حاخام هذا الجیش أصدر فتوي بحق الجنود الإسرائیلیین فی اغتصاب الفتیات والسیدات الفلسطینیات فی میادین القتال، وهذه الفتوي موثقة لا یستطیع نتنیاهو إنكارها، ومن المؤسف أن هذا الغرب المتحضر الذی یدعم نتنیاهو ویغض النظر عن كل جرائم القتل الأخري التی یرتكبها جیشه فی الضفة والقطاع، وقبلها فی جنوب لبنان وسوریة ومصر والأردن.
فریح أبو مدین، الصدیق وزیر العدل الفلسطینی السابق، قال لی قبل أیام إن أكبر مشكلة یواجهها قطاع غزة حالیا لیس الحصار والتلوث والبطالة وأكثر من مئة ألف منزل مدمر فی القطاع ما زالت علي حالها منذ عدوان 2014، وإنما أیضًا أكثر من ثلاثة الاف شاب مقعد أصیبوا برصاص الإسرائیلیین المحرم دولیا أثناء مظاهرات العودة السلمیة، واضطر الأطباء لبتر سیقانهم، لانعدام العنایة الطبیة اللازمة فی المستشفیات ولتهتك عظامهم وعضلاتهم من جراء هذا الرصاص، وأضاف تصور حال هؤلاء الشبان الصغار فی ظل ظروف معیشیة صعبة، حیث یتكدسون فی بیوت مخیماتهم بمعدل ثمانیة أشخاص فی الغرفة الواحدة، ودون وجود حمامات خاصة باحتیاجاتهم، وطبیعة إصابتهم، وانعدام الطعام والدواء بفعل الحصار؟
نتنیاهو رئیس وزراء مجرم یتربع علي عرش كیان إرهابی عنصری، یحتل الأرض، ویهود المقدسات، وأغارت طائراته أكثر من 200 مرة علي العمق السوری طوال السنوات الثلاث الماضیة، وقتلت المئات من أبناء سوریة العزل.
نجد لزامًا علینا، ونحن الذین عانینا وأهلنا من الاحتلال الإسرائیلی وجرائمه أن نكشف الوجه القبیح لهذا العنصری الذی یقتل جنوده الجرحي الفلسطینیین بعد سقوطهم علي الأرض، ویقوم مستوطنوه بإحراق طفل مثل محمد أبو خضیر من الداخل والخارج فی جریمة إرهابیة غیر مسبوقة.
هذه 'الدولة الإسرائیلیة العنصریة' التی تمارس أبشع أنواع التمییز ضد أبناء الدیانات الأخري، وتشرعه بقانون “القومیة الیهودیة”، وتقتل كل مبادرات السلام من منطلق غطرسة القوة والدعم الأمیركی یجب أن یقف الجمیع فی خندق فضحها، وتمزیق الأقنعة عن وجهها البشع، یشرفنا أن نكون فی خندق هؤلاء.
ختامًا، نتمني علي الرئیس أردوغان أن لا یكتفی بالرد علي الأكاذیب الإسرائیلیة بالكلمات فقط، وأن یبادر بقطع العلاقات مع هذا الكیان الإرهابی، ویوقف كل التعاملات التجاریة والاقتصادیة معه.. فهل یحول كلامه إلي أفعال؟.
رای الیوم : عبد الباری عطوان
انتهي ** 1837