في لبنان أزمة محورها السيد صالح الغريب، وزير الدولة لشؤون النّازحين، الذي قام بتلبية دعوة من نظيره السوري حسين مخلوف بزيارة دِمشق لبحث مسألة وجود مليون ونِصف المليون نازح علي الأراضي اللبنانيّة، وكيفيّة تسهيل عودتهم، فانهالت عليه الهَجَمات الشّرسة، وأحيانًا البَذيئة، من وزراء ومسؤولين في حزب القوّات اللبنانيّة وشريكه حزب “المستقبل” بزعامة السيد سعد الحريري، رئيس الوزراء.
الهُجوم تركّز علي أنّ الوزير الغريب، المحسوب علي حزب الزعيم الدرزي طلال أرسلان، ذهب إلي العاصمة السوريّة بمُبادرةٍ شخصيّةٍ، ودون التّنسيق مع رئيس الحُكومة، وبما يتعارض مع سياسة “النّأي بالنفس” المُتّفق عليها، وهي اتّهامات نفاها الوزير الغريب كُلِّيًّا، وأكّد أنّه التقي الرئيس ميشال عون، ورئيس الوزراء الحريري فور عودته لاطلاعِهما علي نتائج زيارته.
لا نُريد تِكرار العبارات والألفاظ التي قيل أنها وردت علي لسان السيد بشار قيوميجان، المتحدث باسم حزب القوّات اللبنانيّة، وتخرج في اعتقادنا عن أدبيّات الحوار المُتعارف عليها، ولكنّنا نسأل: هل قام السيد الغريب بزيارةٍ إلي دِمشق الدولة العربيّة التي جاء منها هؤلاء النّازحون، أم من تل أبيب الدولة العدوّة التي تخترق طائراتها أجواء لبنان وسيادته بصُورةٍ شِبه يوميّة؟ وهل كان الوزير نفسه سيُواجَه بمِثل هذا الهُجوم لو زار الأخيرة، أيّ تل أبيب، أو أيّ عاصمة أوروبيّة أُخري تتدخّل عسكريًّا في المِلف السوريّ وتدعم الجماعات المُسلّحة؟
تكتّل الرئيس الحريري كان الأكثر شكوي من وجود النّازحين السوريّين في لبنان، وحِرصًا بالتّالي علي عودتهم، ولذلك من المفروض أن يكون ورئيسه الأكثر حِرصًا أيضًا علي التّواصل مع الحكومة السوريّة لإيجاد حُلولٍ لهذه الأزَمة، وإلا أين سيبحث الوزير المُكلّف هذه الأزَمَة، مع سيريلانكا مَثَلًا؟
الرئيس عون كان في قمّة الحِكمة والمسؤوليّة عندما حذّر من مُحاولات التّقسيم والتّوطين المُتصاعدة في المنطقة، في إشارةٍ إلي مُحاولات إقامة دولة للأكراد شرق الفرات، ووجود وطن قوميّ لليهود في فِلسطين المحتلة، مُؤكّدًا علي ضرورات احترام عامل الجِوار الجُغرافيّ وأحكامه، ومشيرًا علي أنّ دولًا عربيّة تُرسل الوسطاء إلي دِمشق هذه الأيّام لاستعادة علاقاتها معها في الوقت الرّاهن، وتسهيل عودة الجامعة العربية إليها.
سياسة النّأي بالنّفس التي يتمسّك بها السيد الحريري وبعض وزراء تكتل المستقبل لإدانة أيّ اتّصالات تشكّل مع سورية باعتبار أن هذه الاتصالات خُروجًا عنها، تتعارض في رأينا قانونيًّا وإنسانيًّا وسياسيًّا مع قضيّة عودة النازحين السوريّين وكيفيّة حلها، وأصغر مُبتدئ في علم السّياسة يُدرِك هذه الحقيقة، فكيف ستُعيد هؤلاء إلي بلدٍ تُقاطعه وترفُض زيارته، والحديث معه من أجل التوصّل إلي حُلولٍ وتسهيل هذه العودة؟
يبدو أنّ السيد الحريري وأعضاء حُكومته لم يسمعوا بالاتّصالات السريّة بين الحُكومة السعوديّة ونظيرتها السوريّة، والقرار السعوديّ برفع الحظر عن زيارة المُواطنين السعوديّين للبنان، وقريبًا جدًّا إلي دِمشق، وربّما من المُفيد تذكيرهم بهذا القرار في ذروة الضّجيج والحملات الإعلاميّة حول زيارة الوزير الغريب.
إذا صحّت التّسريبات التي قالت إنّ أحد وزراء تكتّل الحريري “عاير” الرئيس عون بما فعله السوريون به قبل 30 عامًا، فان هذا يصُب في مصلحة الرئيس، وأنّ الوزير يستحق الدّرس الأخلاقيّ الذي وجّهه إليه الرئيس عون بقوله، إنّ تشارل ديغول ذهب إلي المانيا بعد الحرب العالميّة الثانية، واستعان بمقولة نابليون “السياسة ابنة التاريخ، والتاريخ ابن الجغرافيا، والأخيرة ثابتة لا تتغيّر”.
مشكلة لبنان الكبري علي مر العُصور هي تقسيماته الطائفيّة، ومُشكلته الحاليّة الأكبر عدم وجود زعماء للطوائف يُقدّمون مصلحة لبنان الأكبر علي مصلحة طوائفهم الأصغر، والطائفة السنيّة علي وجه الخُصوص.. واللهُ أعلم.
“رأي اليوم”
انتهي ** 1837
تحقق أيضا
قيادي في حركة فتح: نحن جزء أصيل مما يجري من مواجهة في القدس
وقال في تصريح خاص لمراسلنا ان معظم قيادات فتح بالمعتقلات نتيجة ما قاموا به في …