وفي حينها نقلت قناة 'الحرة' الأميركية، القريبة جداً من مراكز القرار في واشنطن عن ترامب قوله 'كان لدي مخاوف حول مؤسسة الرئاسة، وليس فيما يتعلق بي شخصياً، ومخاوف حول السيدة الأولي ميلانيا ترامب، ومن المحزن جداً عندما تنفق سبعة تريليونات دولار في الشرق الأوسط، ثم يتطلب الذهاب إلي هناك كل هذه السرية الهائلة والطائرات حولك، وأعظم المعدات في العالم، وان تفعل كل شيء حتي تدخل سالما'!.
وأكملت شبكة (NBC news) الإخبارية الاميركية الصورة، ذاكرةً 'ان زيارة ترامب المظلمة للعراق استغرقت احدي عشرة ساعة، علي متن طائرة أيرون فور، تخللها إطفاء الأنوار بشكل كامل وإغلاق لستائر النوافذ، حيث رافقت طائرة ترامب طائرات حربية أخري لحمايته'.
وفي أكثر من حديث وتعليق عبر قنوات فضائية وفي شبكات التواصل الاجتماعي، أكد ترامب أن 'زيارتين ألغيتا سابقا بعد تسرب أنباء عنهما'.
ولعل المعروف، أنه منذ أحداث الحادي عشر من ايلول/ سبتمبر 2001، درج الرؤساء الأميركيون علي تفقد قوات بلادهم المنتشرة والمرابطة في مناطق الحروب والصراعات، ولم يكن سهلاً علي ترامب أن يتجاهل هذه الخطوة، لا سيما وأنه تعرض لموجة انتقادات واسعة، والبعض اتهمه بالجبن والخوف، واعتبره البعض الآخر غير مؤهل لقيادة أكبر دولة في العالم.
والمعروف أيضاً، أن كل الرؤساء الأميركيين، بعد غزو بلادهم للعراق في ربيع عام 2003، قاموا بزيارة العراق وتفقد قواتهم فيه، بنفس الطريقة التي جاء بها ترامب، فالرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، زار العراق بعد ثمانية شهور من الغزو، تحت جنح الظلام وبصورة خاطفة، وكذلك فعل خلفه الرئيس باراك أوباما في ربيع عام 2009.
والي جانب الرؤساء، فهناك العشرات ـ إن لم يكن المئات ـ من الساسة والمسؤولين الأميركيين، زاروا العراق ودولا أخري، يمتلكون فيها وجوداً عسكرياً كبيراً جداً، بذات الطريقة، التي تبدو أقرب الي أساليب اللصوص.
وفي زيارة ترامب وأمثالها الكثير من المفارقات، فهم يتحدثون ليل نهار عن احترام سيادة الدول واستقلالها، بيد أنهم يفعلون عكس ما يدعونه تماما.
وهم يدعون، حينما يشنون الحروب علي الدول والشعوب، ويحاصرونها ويتآمرون عليها، أنهم يسعون الي نشر قيم الديمقراطية والحرية والكرامة، الا أن الواقع يؤكد خلاف ذلك بالكامل.
لو كان ترامب ـ وكذلك أسلافه ـ صادقاً في شعاراته ومدعياته، لأعلن عن زيارته مسبقاً، وحضر الي العراق، مثل أي زعيم دولة أخري، وفق السياقات الدبلوماسية والبرتوكولية المعمول بها، لا أن يأتي خلسة وتحت جنح الظلام، ويطفئ أنوار طائرته الخاصة، ويسدل ستائر نوافذها، ترافقها عشرات الطائرات، ويغادر بنفس الطريقة التي جاء بها بعد سويعات قلائل، دون أن يلتقي بأحد، سوي بعض جنوده القابعين في قاعدة عسكرية بعمق الصحراء.
كل تلك الصور والتصورات والأحاديث التي رافقت وتبعت زيارة الرئيس الاميركي للعراق قبل شهرين ونصف الشهر، وما قيل بشأنها، وما صدر من مواقف رافضة ومنددة ومستنكرة، لا بد من استحضارها اليوم ونحن نتابع منذ أكثر من أسبوعين الاستعدادات والتحضيرات القائمة علي قدم وساق، في بغداد وطهران علي السواء، لزيارة الرئيس الايراني الشيخ حسن روحاني الي العراق.
لم يأتِ الرئيس روحاني الي العراق خلسة تحت جنح الظلام، ولم يطفئ أنوار طائرته الخاصة أو يسدل ستائر نوافذها خشية علي حياته وحياة مرافقيه المقربين، ولن يغادر بعد ساعات قلائل، ولن يلتقي بعدد من الجنود الايرانيين في قاعدة عسكرية نائية، ولن يتحسر علي انفاق الترليونات في العراق دون جدوي.
أتي روحاني في وضح النهار، وبرفقته عشرات الوزراء والمستشارين والمساعدين والخبراء، وحطت طائرته وسط بغداد، وكان في استقباله حشد كبير من المسؤولين العراقيين في مقدمتهم نظيره الرئيس برهم صالح، وسيجري، هو واعضاء الوفد المرافق له مباحثات معمقة وتفصيلية مع اعضاء الحكومة العراقية وكبار الساسة، وسيزور كربلاء المقدسة والنجف الاشرف، ويلتقي كبار مراجع الدين هناك.
بعبارة أخري، أتي الرئيس روحاني الي العراق، كرئيس دولة تحرص علي ترجمة شعاراتها الي أفعال، ولا تكتفي بالادعاءات والاقوال، وتحترم الآخرين مثلما تحترم ذاتها، وتلتزم بالضوابط والسياقات والاعراف السياسية والدبلوماسية.
وقبل الرئيس روحاني، زار العراق، خلال الأعوام الستة عشر المنصرمة، مسؤولون ايرانيون كبار، من بينهم رؤساء ووزراء وعلماء ورجال دين ومفكرون ومثقفون، وكلهم جاؤوا من الباب لا من الشباك!
وغير روحاني، زار العراق علي امتداد الستة عشر عاما المنصرمة عشرات رؤساء الدول والحكومات والوزراء، وفق السياقات والاصول والاعراف، علي العكس من ترامب واسلافه، الذين كانوا يأتون سرا وسريعا وخلسة.
بقلم / عادل الجبوري
انتهي ع ص ** 2342
تحقق أيضا
قيادي في حركة فتح: نحن جزء أصيل مما يجري من مواجهة في القدس
وقال في تصريح خاص لمراسلنا ان معظم قيادات فتح بالمعتقلات نتيجة ما قاموا به في …