
ورغم ان النفط حقق موارد مالية لافتة للنفقات والاستثمارات في البلاد وبالتالي وفر امكانية نمو اسرع للعوائد الوطنية وكذلك للانفاق في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية ولكن لا ينبغي التغافل عن تداعياته السلبية. فمن جانب ساعدت العوائد النفطية البلاد على الانفاق والانتاج وادت من جانب اخر للتراجع الاقتصادي في بعض القطاعات.
ولكن ينبغي الالتفات ايضا الى هذه النقطة وهي ان المشكلة ليست في النفط ذاته بل في كيفية استخراجه وانتاجه واستهلاكه وتوزيع عوائده. اي ان سلسلة الانتاج من الاستخراج حتى البيع وتوزيع العوائد الحاصلة منه يجب ان تكون في خدمة التنمية الاقتصادية. هذه المشكلة لها جذور في الهيكليات الاقتصادية وغير الاقتصادية في البلاد. بناء على ذلك يرى البعض بان التعويض عن نقاط الضعف الهيكلية واتخاذ السياسات المناسبة يمكنه تقوية التاثير الايجابي للنفط في اقتصاد البلاد.
قبل كل شيء ينبغي ابعاد الاقتصاد عن حالة المنتوج الوحيد وتقريبه من الاقتصاد المعتمد على تعددية المنتوجات التصديرية. بناء عليه سيصبح اقتصاد البلاد في مامن من الصدمات الناجمة عن تقلبات الاسعار وتذبذبات اسواق الذهب الاسود وكذلك امام الحظر النفطي.
ان قطع التبعية الاقتصادية للنفط حظي على الدوام بتاكيد المسؤولين وشكل كذلك محورا من المحاور الرئيسية لاهداف الخطط التنمية في البلاد. والى جانب اهمية العبور من الصادرات وحيدة المنتوج وتقوية البنية التصديرية لسائر المنتوجات، فمن الضروري ايضا الاستعداد لاجراء التغييرات اللازمة في سائر الهيكليات الاقتصادية وغير الاقتصادية. ومن الضروري كذلك الاستفادة من زيادة العوائد النفطية في مسار تنمية البنى التحتية المناسبة في قطاع الصناعة وسائر القطاعات الاقتصادية والمواصلاتية وغيرها.
بناء على ذلك فان جهود الحكومات كانت منصبة على الدوام على انفاق العوائد النفطية للبنى التحتية الاقتصادية والمواصلاتية والتنمية المستديمة ولكن كان هنالك بعض الاخفاق على هذا الصعيد وتم على الدوام انفاق جزء من العوائد النفطية على النفقات الجارية في الموازنة.
*ادارة البلاد دون الاعتماد على النفط
رغم المشاكل القائمة فقد اتخذت حكومة التدبير والامل (السابقة والحالية) اجراءات مناسبة في هذا المجال خاصة خلال الاعوام الثلاثة الاخيرة حيث انطلقت بعد خروج اميركا من الاتفاق النووي سياسة الضغوط القصوى والحرب الاقتصادية ضد ایران.
لقد توصل المسؤولون الى الاعتقاد بامكانية ادارة البلاد بدون عوائد النفط وتبدد خوف واضعي الخطط والسياسات من مسالة عدم الاعتماد على النفط. اذ انهم راوا بانه حتى لو لم يكن النفط موجودا فان المجتمع لن ينهار كما كانوا يتصورون ولن يتجمد الاقتصاد ولن تتوقف عجلاته عن الدوران.
خلال العامين الماضيين خاصة العام الاخير بلغ بيع النفط الصفر تقريبا في بعض الايام ولكن لا ينبغي نسيان مسالة ان النفط ليس الوحيد الذي شمله الحظر بل اقتصاد البلاد كله ومن ضمنه النظام البنكي تضرر بشدة بسبب اجراءات الحظر ولكن رغم ذلك تمكنت الحكومة من ادارة الاقتصاد والبلاد بدون النفط.
وكان الرئيس روحاني قد قال في تصريح له خلال مراسم تدشين احد المشاريع الوطنية لوزارة النفط: لقد مضينا بالانشطة الى الامام خلال الاعوام الثلاثة الاخيرة بادنى اعتماد على النفط.
الاحصائيات المطروحة تشير الى انه منذ بداية العام 2013 لغاية ربيع العام 2018 بلغت عوائد البلاد النفطية اكثر من 294 مليارا و 272 مليون دولار من ضمنه في العام 2017 والذي بلغ الحد الاعلى فيه وهو 65 مليارا و 818 مليون دولار.
ورغم ان عوائد البلاد في العام 2013 بلغت 64 مليارا و 540 مليون دولار الا ان الرقم انخفض في العام 2014 الى 55 مليارا و 406 ملايين دولار واستمرت وتيرة الانخفاض في العام الذي تلاه ايضا اذ بلغ نحو 31 مليار دولار.
ولكن بعد ان تم التوصل الى الاتفاق النووي تمكنت ايران من زيادة صادراتها النفطية بنسبة نحو 41 بالمائة حيث بلغت اكثر من 55 مليارا و 700 مليون دولار وفي العام الاول من الحكومة الثانية عشرة الحالية اي في العام 2017 بلغت العوائد النفطية نحو 65 مليارا و 800 مليون دولار.
وبعد ذلك اي في العام 2018 ومع خروج اميركا من الاتفاق النووي بدأ العد التنازلي للعوائد النفطية وانخفضت بشدة بحيث انمحت من الموازنة الجارية عمليا.
وفي هذا الصدد قال النائب الاول لرئيس الجمهورية اسحاق جهانغيري في تصريح له: ان اجمالي عوائد البلاد النفطية في العام 2019 بلغ نحو 8 مليارات دولار بسبب شدة اجراءات الحظر الاميركية.
ومع بدايات العام الماضي ازدادت الامور صعوبة مع تفشي فيروس كورونا وادى الحظر وكورونا للمزيد من خفض العوائد النفطية وبناء عليه قال مساعد رئيس الجمهورية رئيس منظمة التخطيط والميزانية محمد باقر نوبخت بان عوائد البلاد النفطية ستبلغ اقل من 9 مليارات دولار خلال العام الحالي (العام الايراني الماضي الذي انتهى في 20 اذار/مارس).
ومن المتوقع اجمالا ان تبلغ عوائد البلاد النفطية في فترة حكومة التدبير والامل (الحكومتان 11 و 12 اي من 2013 الى 2021) 350 مليار دولار اي اكثر بقليل من نصف عوائد البلاد النفطية خلال فترة الحكومتين 9 و 10 .
بناء على ذلك يمكن القول بان اعتماد البلاد على النفط كان خلال الاعوام الثمانية الماضية اقل من الماضي وتمت ادارة البلاد خلال العام الاخير بدون الاعتماد على النفط تقريبا.
الان ومع ما يتناهى الى الاسماع عن احتمال عودة اميركا للاتفاق النووي وتبلور ارادة في داخل البلاد للمصادقة على اللوائح المتبقية من FATF (مجموعة العمل المالي الدولية) يمكن القول بامكانية زيادة العوائد النفطية من جانب وتوفر الظروف من جانب اخر لزيادة المنتوجات غير النفطية وتنمية الصادرات القادرة على المنافسة في الاسواق العالمية. بناء على ذلك فان الحكومة الحالية والحكومات القادمة يمكنها الاستفادة من تجربة الاعوام الثلاثة الاخيرة وتوجيه العوائد النفطية نحو توفير نفقات البنى التحتية وان تركز اهتمامها على زيادة الانتاج والنمو الاقتصادي للقطاع غير النفطي والصادرات والضرائب المستحصلة في هذا المجال بدلا من الاعتماد على النفط.
خفض او الغاء الاعتماد على صادرات النفط لدولة مثل ايران ليس امرا مستحيلا، اذ ان ايران تحظى بارض واسعة مع تنوع كبير في المناخ والثروات الوفيرة والكثير من الجيران الذين يمكنهم ان يكونوا هدفا لسلع الصادرات، فضلا عن ذلك فان ايران قادرة على توسيع تجارتها الدولية عن طريق الخلیج الفارسي والوصول الى المياه الحرة.
انتهى ** 2342
IRNA Arabic