
وحيدة ومرتبكة بدت إدارة ترامب، على مستوى الداخل الأمريكي وعلى مستوى العالم، فيما يخص قرار إدراج "أنصار الله" في قوائم الإرهاب، إذ صرح النائب الديمقراطي ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي، غريغوري ميكس، بأن هذا القرار يعبر عن "قصر نظر" و "يعرض حياة الشعب اليمني للخطر" وأنه: "لن يكون هناك أي حل مستدام في اليمن بدون مشاركة أنصار الله" وأشار إلى أن "إدارة ترامب تجعل الحل السياسي بعيدا"، وهذا لم يكن موقف خصوم ترامب فقط، فالسيناتور الجمهوري ورئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب، آدم سميث، كان له أيضا تصريح مماثل أوضح فيه أن القرار "لا يمكن الدفاع عنه" وأنه يفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن ويقوض السلام ويجعل المنطقة أكثر خطورة.
وعلى المستوى الدولي، وبالرغم من التواطؤ الكبير بين المنظومة الأممية والولايات المتحدة في ملف اليمن، أوضح المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، أن "التصنيف الأمريكي سيضر بالجهود السياسية، وستكون له تداعيات سلبية كبيرة" وهو قلق عبرت عنه أيضا بعثة سفراء الاتحاد الأوروبي في اليمن، خلال لقاء مع وزير خارجية حكومة المرتزقة.
منظمات إنسانية أيضا انتقدت قرار إدارة ترامب، ومن بينها "أوكسفام" التي صرح مسؤول السياسات الإنسانية فيها، سكوت بأول، بأن هذا القرار "يعتبر سياسة خطرة وغير مجدية وستضر بحياة الأبرياء كما أنها لن تساعد في حل النزاع"
وبالمحصلة، لم يحظ قرار ترامب بأي تأييد أو ترحيب سوى من حكومة المرتزقة والنظام السعودي، الأمر الذي كشف الكواليس "السياسية" لهذا القرار، بأنه مجرد مجاملة أخيرة لـ"حلفاء" الرئيس الذي يعيش آخر أيامه في البيت الأبيض مهددا بالعزل والمحاكمة، بعد أن تسبب في فضيحة غير مسبوقة في تأريخ الولايات المتحدة عندما حرض أنصاره على اقتحام الكونغرس.
الحقيقة أن هذا الوضع المزري الذي يعيشه ترامب وإداراته هذه الأيام، لم يكن فقط نتيجة اقتحام الكونغرس أو اتخاذ قرار "قصير النظر" في الملف اليمني، فهذه الأحداث نفسها لم تكن إلا نتائج لفشل راكمته هذه الإدارة خلال أربع سنوات على داخليا وخارجيا.
ولم يكن فشل إدارة ترامب محصورا في قرارات معينة يمكن تجاهلها عند تقييم الأداء العام لهذه الإدارة، بل كان هو السمة الرئيسية لهذا الأداء، ففي الداخل الأمريكي، تعاملت إدارة ترامب مع الكثير من الملفات المهمة بعشوائية وتخبط وانتهازية جعلت "ترامب" أحد أسوأ الرؤساء الأمريكيين سمعة، ومن ذلك ملفات الهجرة وفيروس "كورونا" وأزمة العنصرية التي أثارها مقتل "جورج فلويد"، وقد أدى هذا الأداء السيء إلى أن كسب خصوم ترامب (الديمقراطيين) الكثير، وتمكنوا من استعادة الأغلبية في مجلس النواب، ومؤخرا سيطروا على أغلبية مجلس الشيوخ مستفيدين من "حماقة" ترامب في التعامل مع نتائج الانتخابات الرئاسية.
ولم يكن حصول ترامب على 74 مليون صوتا في الانتخابات نتيجة حسن أداءه، بل نتيجة المشاكل التي تعاني منها "الديمقراطية الأمريكية" والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي أسهمت إدارة ترامب في صب الزيت على نارها، وما كان اقتحام الكونغرس إلا انعكاسا واضحا لذلك.
أما على المستوى الخارجي، فيكفي الإشارة إلى شهرة ترامب كرجل "كشف الوجه الحقيقي لأمريكا" وهي شهرة ليست جيدة على الإطلاق، فالوجه الأمريكي الذي كشفه ترامب، هو وجه "البلطجة" و الانتهازية والوحشية، فمن الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، إلى شن حرب تجارية على الصين، إلى الاعتراف بالقدس كعاصمة للكيان الصهيوني ، إلى دعم انقلاب فنزويلا، إلى اغتيال قائد قوة القدس الإيرانية قاسم سليماني، وما بين ذلك من قرارات وتصرفات أقل ما يقال عنها في ميزان السياسة أنها "حمقاء"، كان ترامب هو السبب الرئيسي في "تراجع سمعة الولايات المتحدة عالميا" بحسب وصف استطلاعات رأي، لكنه وصف لا يزال مخففا، فترامب أوصل أمريكا "إلى الحضيض" حسب تصريح مسؤول رؤوسي علق على احداث اقتحام الكونغرس، وأدى إلى رفع منسوب كراهية الكثير من شعوب العالم للولايات المتحدة.
وفي ملف اليمن، كان لترامب بصمات فشل وانتهازية ووحشية لا تنسى، حتى أن الديمقراطيين استفادوا كثيرا من تلك البصمات في شن حملات كبيرة استهدفت إدارة ترامب في موضوع صفقات الأسلحة، والموقف من جرائم ولي العهد السعودي، وبالرغم من أن ترامب كان يسعى لتغطية سوء تعامله مع ملف اليمن بصناعة ضجيج حول طبيعة علاقته بقيادة النظام السعودي والتركيز عن "العائد" الذي يحصل عليه من خلال وقوفه إلى جانب الملك السعودي وولي عهده، إلا أن الضجيج انتهى، وكانت النتائج على الأرض فشل عسكري وانسداد سياسي وجرائم وحشية وأسوأ أزمة إنسانية في العالم.
وكان موضوع إدراج "أنصار الله" في قوائم الإرهاب بصمة حماقة أخرى، بدا أن ترامب كان يخطط لها منذ فترة، وبالذات عندما عادت إدارته لترويج دعاية "مكافحة الإرهاب" في اليمن، وإحياء ذكرى تفجير "المدمرة كول" لأول مرة منذ عشرين عاما، توازيا مع مطالبات واضحة من قبل تحالف العدوان بهذه الخطوة، ولعل ترامب كان يخطط لاتخاذ هذا القرار خلال فترة رئاسته الثانية، لكن ذلك لم يحدث، فحاول اتخاذه قبل أن يغادر البيت الأبيض، الأمر الذي يكشف أن القرار لم يكن سوى "صفقة" بين ترامب وبين قادة دول العدوان، والسعودية بالذات، وأن هذه الصفقة لا تقوم في الحقيقة إلا على توفر "حماقة" ترامب وجنونه وجشعه للمزيد من الأموال، وليس على حسابات سياسية أو عسكرية وازنه.
وهكذا جاء القرار خاويا ولم يرق حتى لمستوى "الدعاية" التي حاولت تضخيم أهميته، وزاد من خواءه التوقيت الذي جعله متعلقا بأزمة إدارة ترامب أكثر مما هو متعلق بالملف اليمني، فالرغبة في استفزاز إدارة "بايدن" والانتقام لخسارة الانتخابات، دوافع لا يمكن فصلها عن هذا القرار، الذي يأتي تتويجا لمسيرة الإخفاق وقصر النظر، ويجدر بالإدارة القادمة الانتباه لذلك جيدا.
انتهى
IRNA Arabic