
في اليوم الاول الذي تلي حفل تنصيب الرئيس الامريكي الجديد دونالد ترامب ، عمت العديد من دول العالم ، ومنها امريكا ، تظاهرات نسوية عارمة احتجاجا علي المواقف العدائية لترامب ضد المرأة ومحاولاته المتكررة للحط من قدرها واذلالها ، وهي مواقف لطالما افتخر بها ترامب دون خجل.
لم يمر سوي اسبوع علي تنصيبه حتي وقع ترامب علي قراره العنصري سييء الصيت ، والقاضي بمنع مواطني سبع دول اسلامية من الدخول الي امريكا ، الامر الذي اثار عليه العالم اجمع ، حكومات وشعوبا ، وكشفت المواقف السياسية لقادة العالم والتظاهرات والاحتجاجات التي عمت العديد من الدول ، وخاصة امريكا ، رفض العالم لهذا الاجراء العنصري.
محاولاته لشرعنة نشر مشاعر العداء للاخر ، وترويجه لثقافة الكراهية والخوف في المجتمع الامريكي ، تصدي لها قضاة ورجال قانون امريكيون شجعان ، نجحوا في عرقلة قراراته العنصرية ، التي اعتبروها انتهاكا صارخا لمباديء حقوق الانسان وللدستور الامريكي.
مجاهرته ب”ضرورة” سرقة نفط العرب ، كتعويض عن الحروب التي شنتها امريكا علي المنطقة ، وكذلك مجاهرته ب”ضرورة” ان تدفع الاسر الحاكمة في الدول الخليجية فاتورة حماية عروشها ، اثارتا موجة من الاستنكار والاستهجان حتي في الداخل الامريكي.
عداءه لجيران امريكا ومنهم المكسيك ، وتعامله معها بفوقية ومطالبته ببناء جدار يفصل امريكا عن المكسيك ، علي ان تدفع الاخيرة نفقات بناء الجدار ، جوبه بالرفض من قبل المسكيك ودول امريكا اللاتيتية ، التي وصفت موقف ترامب منها بالمستهجن.
عداءه للاتحاد الاوروبي والناتو ، وتشكيكه باستعداد واشنطن للدفاع عن اوروبا ، ل”عدم دفع الاوروبيين نصيبهم في النفقات العسكرية للناتو” ، وكذلك ل”عدم دفع المانيا نفقات حمايتها من قبل امريكا علي مدي عقود” ، واختياره مندوبا امريكيا في الاتحاد ، لا يؤمن بالاتحاد ومن اكثر الداعين الي تفكيكه ، هو ما اثار حفيظة الاتحاد الاوروبي الذي دعا الي الاعتماد علي قواه الذاتية وتشكيل قوة اوروبية موحدة.
عداءه للفلسطينيين وتاكيده علي نقل السفارة الامريكية من تل ابيب الي القدس المحتله ، اثار استياء واسعا لدي كل الجهات المعنية بالقضية الفلسطينية ، وحتي لدي العواصم الغربية الحليفة لامريكا ، التي رات في القرار تبنيا كاملا لمواقف رئيس الوزراء “الاسرائيلي” بنيامين نتنياهو.
اسراعه في اعلان عدائه للصين عبر تهديدها بالاعتراف باستقلال تايوان ما لم تقدم تنازلات تجارية لامريكا ، هو الذي دعا وزير الخارجية الصيني، وانغ يي بالرد عليه بالقول إن “أي شخص أو قوة في العالم تحاول النيل من الصين أو المس بمصالحها الأساسية، فسيكون ذلك كمن يزحزح صخرة ستسحق قدميه”.
عداء ترامب تجاوز الشعوب والدول والحكومات الي الارض بشكل عام ، فقد اكد محامون امريكيون إن ترامب قد يستخدم طرقا قانونية مختصرة للانسحاب من الاتفاق العالمي لمكافحة التغير المناخي خلال عام ، ومتجنبا الانتظار لأربع سنوات ، وهي المدة التي حددها الاتفاق للدول التي ترغب بالانسحاب منه ، بعد اعلان ترامب ان التغير المناخي خدعه ومن اختراع الصينيين لتقويض الصناعة الأمريكية ، وبذلك يضع ترامب الارض امام كارثة كبري تهدد مستقبل الانسان علي الارض ، وهو ما دفع عددا من العلماء الي الدعوة الي تنظيم مسيرة تتوجه نحو البيت الابيض في يوم الارض المصادف 22 نيسان / ابريل القادم ، في محاولة لإجبار ترامب، علي الاعتراف بالتغيرات المناخية ، وتمكن أولئك العلماء من استقطاب أكثر من 1.3 مليون مؤيد عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
في سياق هذا الجو العام المشحون بالعداء لكل شيء حتي الطبيعة ، الذي يفيض من بين ثنايا سياسة ترامب ، فان عداءه لايران ، لن يخرج من هذا السياق ، كما انه عداء ليس بجديد ، فهذا العداء كان يكنه من قبل لايران رؤساء امريكا السابقون ، الا ان هناك “فضيلة” تميز ترامب عن سابقيه ، وهي انه نزع عن وجهه قناع النفاق الذي غطي السابقون وجوههم به ، فقد اعلن ومنذ بداية الانتخابات الرئاسية الامريكية انه يعتبر الاتفاق النووي مع ايران ، اسوا اتفاق توصلت اليه امريكا في تاريخها ، وان جميع الخيارات مطروحة علي الطاولة للتعامل مع ايران.
من الواضح ان ترامب ، في عدائه لايران كما في عدائه للذين ذكرنا من قبل ، لا يستهدف عدوا متربصا ببلاده ، بل يهدف الي اشباع نوازع الجشع والتسلط والهيمنة لدي اصحاب الثروة في امريكا ، علي مقدرات الشعوب وحتي الشعب الامريكي ، فاذا كان الاتفاق النووي ابعد شبح الحرب عن المنطقة والعالم ، كما اقرت القوي الكبري ومن بينها امريكا بذلك ، فلماذا يريد ترامب تمزيقه ؟، الا يكشف هذا العداء للسلام والامن والاستقرار في المنطقة ، ان الرجل يسعي الي زرع الخوف والفوضي في العالم من اجل انعاش مصانع السلاح التابعة لاصحاب الثروة في امريكا؟.
كانت ايران قبل ترامب ، وعلي مدي اكثر من ثلاثة عقود ، تؤكد ان العداء الامريكي للجمهورية الاسلامية في ايران ليس بسبب برنامجها النووي، كما تزعم امريكا ، بل بسبب رفضها التدخل الاجنبي في شؤونها الداخلية ، وبسبب مواقفها المبدئية من القضية الفلسطينية ، الا انه لم يكن هناك من يصغي لها ، بل علي العكس خُدع البعض بالكذبة الامريكية وانخرط في المعسكر الامريكي المعادي لايران ، ولكن بعد ترامب اصبح العالم اليوم اكثر اقتناعا بما كانت تقوله ايران بالامس.
هناك من يري في ترامب “نقمة” حلت بالعالم ، ويتوقع بين لحظة واخري ان يضيف موبقة اخري الي سجل موبقاته التي تدفع بالعالم دفعا الي هوة سحيقة لا يعرف مداها الا الله ، الا ان هناك ايضا من يري ترامب “نعمة” كشفت عن الوجه الحقيقي للسياسة الامريكية ، فظهر هذا الوجه قبيحا مقززا عنصريا متغطرسا كريها ، فهذه السياسة لا تري فائدة من المرأة ما لم تكن وسيلة لاشباع غرائز اصحاب الثروة في امريكا ، ولا فائدة من ثروات العالم ما لم تكن في قبضة اصحاب الثروة في امريكا ، ولا فائدة من مصالح الشعوب ما لم تكن كلها في صالح اصحاب الثروة في امريكا ، ولا فائدة من المواثيق والمعاهدات الدولية التي تحافظ علي الارض والسلم والاستقرار فيها ما لم تكن في مصلحة اصحاب الثروة في امريكا و.. ف”الترامبية” هي النسخة الاصلية للسياسة الامريكية.
انتهي**2018 ** 1837
www.irna.ir