الصفحة الرئيسية / سیاسیة / أردوغان وقابلية خلق الأزمات مِن لا شيء

أردوغان وقابلية خلق الأزمات مِن لا شيء

هذا التصريح الصادم وغير المألوف دبلوماسيا ، احرج حينها حتي المتيمين باردوغان ، فقد حاول البعض منهم تبريره كل علي طريقته ، ولكن مع تزايد تورط اردوغان في ازمات المنطقة ، التي كان هو من اكبر صُناعها ، وبعد تفريغه بعضا من شحنات التأزيم العالية التي لديه مع اوروبا ، بات من الصعب علي المدافعين عنه ان يجدوا ما يكفي من تبريرات للكم الهائل من التصريحات الصادمة والخارجة عن كل ما هو مألوف ، بل و”المجنونة” و “غير اللائقة” ، علي حد تعبير رئيس الوزراء الهولندي مارك روته.
المتتبع لمواقف وتصريحات اردوغان ورجال حزبه الاخيرة ، علي خلفية الازمة التي اختلقوها خلقا من لا شيء مع المانيا وهولندا وبعض الدول الاوروبية الاخري ، بسبب عناد واصرار اردوغان علي تنظيم تجمعات جماهيرية للجاليات التركية في اوروبا حول الاستفتاء الذي سيجري في اواسط شهر نيسان/ ابريل المقبل علي التعديل الدستوري ويشارك فيها المسؤولون الاتراك دون اخذ الاعتبارات الامنية لهذه الدول بالحسبان ، سيُصدم كما صُدم واكثر مما قاله اردوغان عن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي.
بدأت معركة اردوغان مع المانيا التي رفضت اقامة تجمعات جماهيرية في مدنها حول الاستفتاء التركي الذي يستهدف اضعاف البرلمان وهيمنة اردوغان علي مقدرات تركيا ، فما كان منه الا ان خاطب الالمان قائلا: إن “ممارساتكم لا تختلف عن ممارسات النازيين ، اعتقدت أن ألمانيا تخلت منذ فترة طويلة عن هذه الممارسات ، لكنني كنت علي خطأ ” ، الامر الذي دفع المستشارة الالمانية انغيلا ميركل للدعوة الي ضبط النفس ، الا انها اعتبرت تصريحات أردوغان ومسؤولين أتراك آخرين في هذا الأمر بانها “محزنة وفي غير محلها تماما ، ولن نسمح بأن يتم الاستخفاف بضحايا النازية عبر هذه المقارنات”.
معركة اردوغان الكبري كانت مع هولندا التي دعت الاتراك الي تنظيم تجمعات جماهيرية في مباني السفارة او القنصلية التركية وليس في مراكز او قاعات يصعب توفير الامن لها في ظل الانشقاق السياسي الهائل في المجتمع التركي والذي انتقل الي الجاليات التركية في هولندا وغيرها ، الا ان المسؤولين الاتراك رفضوا هذا الاقتراح واصروا علي القدوم الي هولندا للمشاركة في التجمعات الجماهيرية ، بل وهددوا هولندا بالويل والثبور وعظائم الامور ، فكان رد السلطات الهولندية منع طائرة وزير خارجية تركيا مولود جاويش اوغلو من الهبوط في روتردام ، كما ابعدت وزيرة الأسرة التركية فاطمة بتول صيان التي تسللت الي هولندا عبر المانيا.
الاجراءات التي تخذتها هولندا جاءت ردا علي تصريحات وزير الخارجية التركي جاويش اوغلو الذي اكد انه سيسافر الي رتوردام مهما كلف الامر وقال : “اذا كان ذهابي سيزيد التوترات فليكن .. وما الضرر الذي سيصيبهم من ذهابي؟ أنا وزير خارجية وأستطيع الذهاب حيث شئت” ، وهدد بعقوبات سياسية واقتصادية قاسية إذا منعت هولندا هبوط طائرته في رتوردام ، واضاف مخاطبا حكومتي المانيا وهولندا: “لا يمكن لأي منكم أن يمنعنا…نستطيع أن نذهب إلي أي مكان نريده للقاء مواطنينا وعقد تجمعاتنا”.
اما ردة فعل اردوغان فكانت كالعادة خارج كل الاعراف فوصف الحكومة الهولندية بانها :”بقايا من النازية، هؤلاء هم فاشيون” واضاف :”إمنعوا وزير خارجيتنا من القدوم قدر ما تشاؤون، ولنري من الان فصاعدا كيف ستهبط طائراتكم في تركيا” ، انهم “سيدفعون بالتأكيد الثمن وسيتعلمون أيضا ما هي الدبلوماسية. سنعلمهم الدبلوماسية الدولية”.
السلطات التركية لم تكتف بالتصريحات بل تجاوزتها الي العمل ، فقد استدعت الخارجية التركية القائم باعمال السفارة الهولندية ، كما اكدت إنها لا ترغب في عودة السفير الهولندي إلي أنقرة بعد انتهاء اجازته التي يقضيها في هولندا، واغلقت السلطات التركية الطرق المؤدية الي السفارة الهولندية في أنقرة والقنصلية الهولندية في إسطنبول، ومنعت بذلك الوصول إليهما، والإجراء نفسه شمل منزلي القائم بأعمال السفارة والمسؤول القنصلي.
رئيس وزراء هولندا مارك روته اعتبر تصريح إردوغان الذي شبه فيه الهولنديين بالنازيين ، بأنه “تصريح مجنون” ، واستغرب من ادبيات اردوغان وقال “لم أشهد ذلك من قبل لكننا نريد أن نكون الطرف الأكثر تعقلا … إذا صعدوا سنضطر للرد لكننا سنفعل كل ما في سلطتنا للتهدئة .. ان هولندا لن تسمح بأن يبتزها أحد”.
يبدو ان اللغة التي خاطب بها قادة تركيا ، المانيا وهولندا والتهديدات التي اطلقوها واخرها التهديد الذي جاء علي لسان جاويش اوغلو الذي هدد بفتح الحدود امام المهاجرين الي اوروبا مرة اخري ، لم تأت اكلها ، بل جاءت بنتائج عكسية ، فقد انضمت سويسرا والنمسا الي المانيا وهولندا ، واعلنتا منع تنظيم اي تجمعات جماهيرية لمسؤولين اتراك في مدنها ، كما اقترح رئيس وزراء الدنمارك لارس لوكه راسموسن تأجيل الزيارة التي كان من المقررة ان يقوم بها رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم هذا الشهر الي كوبنهاكن علي خلفية موقف انقرة من امستردام.
بعيدا عن الاثار المدمرة لسلوكيات قادة تركيا علي الصعيدين السياسي والدبلوماسي ، مع جيرانهم المسلمين والاوربيين وتخصصهم في صناعة الازمات ، فمثل هذه السلوكيات تعطي زخما هائلا لصعود اليمين المتطرف المعادي للاسلام في اوروبا ، فهناك من يتصيد بالمياه التي عكر صفوها اردوغان في اوروبا ، من خلال نقل حالة الانقسام والانشطار المجتمعي وانعدام الامن في تركيا الي الجاليات التركية الكبيرة في اوروبا لاسيما في المانيا ( 4 مليون تركي) وهولندا (400 الف تركي) ، لاسيما بعد ان كشفت وكالة المخابرات الداخلية الالمانية (بي.إف.في) ،عن زيادة وتيرة عمليات التجسس التي تقوم بها انقرة علي الجالية التركية داخل ألمانيا ، وإن الانقسامات في تركيا قبل الاستفتاء علي الدستور كان لها انعكاس في ألمانيا.
من اكثر المستفيدين من سلوكيات وشخصية اردوغان ، ومن اخطر المتصيدين في المياه التي عكر صفوها اردوغان مع هولندا ، هو زعيم اليمين المتطرف والمعادي للاسلام خيرت فيلدرز ، الذي من المقرر ان ينافس حزب رئيس الوزراء الحالي مارك روته في الانتخابات التي ستجري يوم الاربعاء القادم.
فيلدرز هذا استغل علي الفور ازمة التجمعات الجماهيرية التي دعا اليها اردوغان ، وشن هجوماً عنيفاً علي الأتراك المقيمين في هولندا من الذين يحملون الجنسية المزدوجة ، ووصفهم في تغريدة له ب”الطابور الخامس” ودعا الي ضرورة اخراجهم من هولندا ، وقال مخاطباً الذين تظاهروا احتجاجاً علي منع جاويش أوغلو من دخول هولندا “ولاؤكم يعود لمكان آخر، غادروا البلاد إذن” ، “لا مزيد من الجنسية المزدوجة وأغلقوا الحدود”.
كما بدانا مقالنا في تصريح صادم لاردوغان تعرض من خلاله بطريقة فجة لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ، ننهي مقالنا بتصريحين صادمين لاردوغان و جاويش اوغلو تعرضا من خلالهما للجمهورية الاسلامية في ايران ، فقد زعم اردوغان ان ايران تسعي ل”تقسيم العراق وسوريا وتتصرف من منطلقات قومية” ، فيما قال جاويش اوغلو ان ” ايران تعمل علي تشييع العراق وسوريا” ، وهي تصريحات وان تراجع عنها الاخير ، الا انها فقدت ذاتيا اعتبارها ، لان مصدرها اردوغان ورجاله ، ولكن وبالرغم من ذلك لا يحتاج العاقل لدليل ليعرف من هو البلد الذي وقف الي جانب الحكومتين العراقية والسورية ومنع تقسيم العراق وسوريا وضحي من اجل ذلك ، ومن هو البلد الذي يتواطأ مع الجماعات التكفيرية ويمدها بالمال والسلاح والرجال انطلاقا من نوازع قومية وطائفية ، ويرسل الجيوش لغزو العراق وسوريا بهدف تقسيمهما.
بقلم: ماجد حاتمي. المصدر: شفقنا.
انتهي**1110**1369


www.irna.ir

تحقق أيضا

قيادي في حركة فتح: نحن جزء أصيل مما يجري من مواجهة في القدس

وقال في تصريح خاص لمراسلنا ان معظم قيادات فتح بالمعتقلات نتيجة ما قاموا به في …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *