الصفحة الرئيسية / سیاسیة / قانون انتخابات جديد في لبنان؛ مضمونه و تداعياته

قانون انتخابات جديد في لبنان؛ مضمونه و تداعياته

بعد مرور ثماني سنوات علي اخر انتخابات حصلت في العام 2009 . اقر البرلمان اللبناني في جلسته الاخيرة مشروع القانون الانتخابي الجديد وعين تاريخ 6 ايار 2018 موعدا لاجراء الاستحقاق الانتخابي النيابي وكانت ولاية المجلس النيابي الذي نتج عن تلك الانتخابات قد انتهت في ايار 2013. الا ان مجلس النواب أقر انذاك التمديد لنفسه 17 شهرا تنتهي في 20 تشرين الثاني 2014، بعد أن فشلت الأطراف السياسية بالوصول إلي قانون انتخاب في أربع سنوات منصرمة. والحال تكررت مجددا قبل شهرين من إنتهاء الولاية الممددة، في آب 2014 فحصل التمديد الثاني لسنتين و7 أشهر تنتهي في 20 حزيران 2017.
اقرار قانون انتخاب الذي يمكن ان يمر بهدوء في اي بلد من البلدان ملأ لبنان وشغل الناس من مختلف الفئات والانتماءات علي مدي ستة اشهر اي منذ انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة اعتبرت اجراء الانتخابات النيابية اولي مهامها . تحولت القضية الي هم يومي نتيجة التجاذبات المتبادلة بين الاطراف السياسية والخلافات حول القانون . اكثر من20 صيغة لقانون الانتخاب طرحت خلال هذه الفترة وتحول الامر الي ما يشبه البورصة اليومية حيث ترتفع اسهم قانون علي حساب اخر لتنقلب الامور رأسا علي عقب في اليوم الثاني .
الا ان المخاوف من دخول البلد في فراغ تشريعي شكل هاجسا دفع الافرقاء الي الاتفاق حول قانون جديد خلال الاسبوع الاخير من ولاية المجلس الممدد له . فالفراغ التشريعي في بلد نظامه برلماني يعني فراغا في كل المؤسسات الدستورية ما يوازي سقوط الدولة .
بذلك انتهي الجدال حول اصل الوصول الي قانون ليبدأ نقاش حول بنوده. من المفيد القول ان هناك اجماعا تاما حول اعتبار القانون من صنع اللبنانيين انفسهم . هذا الامر لم يحصل منذ انتخابات 1992 اذ لم يتوافق الافرقاء اللبنانيون بمفردهم علي قانون جديد للانتخاب. ما بين عامي 1992و 2000 كانت دمشق هي المرجعية التي تدور الزوايا الحادة بين المكونات اللبنانية وتحسم الامر. في العام 2005، اجريت الانتخابات تبعاً لقانون الـ 2000 .الا ان انتخابات ال2009 كانت نتيجة اساسية لاتفاق الدوحة حيث حصل الاتفاق علي قانون انتخاب بتدخل مباشر من الدولة المضيفة وتحديدا حول تقسيم الدوائر.
يشكل القانون الجديد اذن استثناء علي هذا المستوي فعلي الرغم من المماطلة والوقت الطويل الذي بذل علي طريق الوصول اليه ، يسجل للافرقاء نجاحهم في انجاز قانون يصح عليه توصيف 'صنع في لبنان'.
نقطة اخري تشكل محط اجماع وهي اعتبار مبدأ النسبية الذي اعتمد في القانون مكسبا للبنانيين . لا بل تعتبر النسبية مفتاحا للاصلاح السياسي . علي الرغم من الملاحظات العديدة التي يسوقها طابخو القانون انفسهم الا انهم يعتبرون طي صفحة الانتخاب الاكثري ،الذي اختاروا علي اساسه نوابهم منذ ثلاثينيات القرن الماضي، مدخلا اساسيا لصحة التمثيل وعدالته . فلطالما اقصي والغي القانون الاكثري مكونات سياسية اساسيةوخاصة غير الطائفية لدرجة ان الحزب الشيوعي اللبناني الذي تأسس منذ حوالي التسعين عاما فشل علي مدي هذه السنين في ايصال ولو نائب واحد يمثله في الندوة البرلمانية . وضع الاقليات داخل الطوائف لم يكن افضل حالا فقد تعرضت للالغاء والتهميش لمصلحة الاكثريات الطائفية.
مكسب النسبية هذا ظل ناقصا وذهب البعض الي وصفه بالمشوه . لان مفاعيل النسبية الكاملة لا تتحقق في ظل التمثيل الطائفي الا ضمن الدائرة الواحدة . وفي القانون الجديد اعتمد تقسيم الخمسة عشرة دائرة وذلك لمراعاة الهواجس الديمغرافية عند المسيحيين . اخر الاحصاءات غير الرسمية تشير في احسن الاحوال الي ان عدد المسيحيين في البلد الصغير لا يتخطي الـ35%. وقاعدة النسبية وفق دائرة واحدة تعني انهم لن يكونوا قادرين علي التأثير في ايصال نواب طائفتهم الا بحسب نسبتهم علي الرغم من ان الدستور اللبناني ينص علي المناصفة بين المسلمين والمسيحيين داخل مجلس النواب . الحقائق الديمغرافية تعني ان 15% من النواب المسيحيين سيصلون الي الندوة البرلمانية بتأثير من المقترعين المسلمين . الا ان التقسيم الجديد يعاني بدوره من تشوهات كبيرة . هو يفتقر لمعيار واحد جري علي اساسه التقسيم . ففي زحلة مثلا اعتمد القضاء الاداري دائرة انتخابية واحدة في حين شكلت اربع اقضية دائرة واحدة في الشمال(الكورة البترون زغرتا بشري). الافتقار الي العدالة ينسحب علي عدد النواب ايضا . فلدائرة صيدا وجزين خمس نواب يقلبها 13 نائب في دائرة عاليه الشوف.
الهاجس الديمغرافي حضر ايضا في قضية انتخاب المغتربين اللبنانيين . الاعتقاد السائد في البلد ان هذه القضية تصب لمصلحة المسيحيين لان النسبة الاكبر من المغتربين تنتمي للطائفة المسيحية .لم يمر الطرح مرور الكرام وطرحت الاسئلة حول دور النائب المغترب ومكان اقامته وعلي اي اساس سيتم اختاير انتمائه الطائفي ليخلص القانون علي تأجيل الاجابات عن هذه الاسئلة من خلال اقراره زيادة 6 مقاعد للاغتراب في انتخابات 2020 .
الصوت التفضيلي من النقاط التي اثارت الكثير من الجدل والنقاش وانتهي القانون بتبني الصوت التفضيلي في القضاء وليس الدائرة الانتخابية ما اعتبر حلا وسطا بين من يطلب بان يكون علي مستوي الدائرة وبين من مارس الضغوطات ليكون صوتا تفضيليا مذهبيا.
ما لم يقره القانون لا يقل اهمية وابرزه خفض سن الاقتراع الي ال18 سنة . قد يكون لبنان البلد الوحيد في العالم الذي لا يسمح للشباب فيه دون ال21 عاما بممارسة حقهم الانتخابي . الهاجس الديمغرافي يفرض نفسه مرة جديدة في ظل قناعة سائدة بلان هذا الامر اذا اقر سيعزز من الديمغرافيا المسلمة . مبدأ الكوتا النسائية استبعد ايضا ما شكل ضربة لحراك نسائي طويل ولكنه بدا خجولا خلال مرحلة التفاوض حول القانون .
في الخلاصة يمكن القول ان الوضع السياسي اللبناني دخل مرحلة جديدة. فالقانون الجديد سيترك تاثيره علي التحالفات السياسية وسيرسم المجلس النيابي العتيد مشهدا جديدا للتوازنات السياسية التي تحكم لبنان الذي لا يزال ينعم باستقرار امني ولو نسبي ضمن منطقة مشتعلة وتنذر التطورات بمزيد من الحرائق فيها .
انتهي**387 ** 1837


www.irna.ir

تحقق أيضا

قيادي في حركة فتح: نحن جزء أصيل مما يجري من مواجهة في القدس

وقال في تصريح خاص لمراسلنا ان معظم قيادات فتح بالمعتقلات نتيجة ما قاموا به في …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *