الصفحة الرئيسية / سیاسیة / أميركا و«إسرائيل» مقابل محور المقاومة: الخط الأحمر بين العقدة النفسية والحرب النفسية

أميركا و«إسرائيل» مقابل محور المقاومة: الخط الأحمر بين العقدة النفسية والحرب النفسية

والقصد ليس موضوع الخط الأحمر الذي غالباً ما يكون تصنيعاً أميركياً هوليودياً، لأنّ الهدف هو مفهوم الخط الأحمر نفسه. فالدولة العظمي هي التي تثبت أنها في كلّ ساحة تحضر فيها كلاعب تتقدم اللاعبين الآخرين برسم قواعد الاشتباك، والتي يُشار إلي مهابة القوة فيها بالإعلان عن وجود خط أحمر، وكلما كانت الدولة العظمي قوية كان خطها الأحمر متصلاً بقضايا علنية للتصادمات لا مجال لبنائها علي اتهامات كما هو حال الخط الأحمر الذي ورثه الرئيس الحالي عن سلفه والمتصل بالاتهام باستخدام السلاح الكيميائي الذي يبقي اتهاماً لم يتمّ إثباته بتحقيق مستقلّ ونزيه، طالما ثبت أنّ واشنطن تتهرّب من طلبات روسية جدية للتعاون في إجرائه، فيصير السؤال لماذا لم ترسم واشنطن خطاً أحمر عند أبواب حلب مثلاً، وتقول إنّ دخول الجيش السوري حلب خط أحمر، ومثلها «إسرائيل» التي ترسم خطاً أحمر مشابهاً تسمّيه نقل شحنات أسلحة كاسرة للتوازن لحزب الله، فضحتها تقارير مخابراتها بالتساؤل لماذا لم نسمع يوماً عن غارة تستهدف شحنة سلاح بعد عبورها الحدود السورية إلي لبنان، وبقي الخط الأحمر في سورية أم أنّ «إسرائيل» خاضعة لخط أحمر رسمه حزب الله يمنعها من ضرب أهداف في لبنان خشية نشوب حرب؟
– اعتادت أميركا واعتادت «إسرائيل» أنهما في كلّ صراع تضعان قواعد الحرب وتسمّيانها حرصاً علي تعجرف القوة برسم الخطوط الحمر. وبدا في الحرب السورية أنّ هذه الخطوط تبهت وتحتاج إلي ما يشبه الخرافات للحفاظ علي معادلاتها الكلامية، بينما في الواقع واضح أنّ القوي التي تريد واشنطن وتل أبيب حمايتها تُهزم وتتلاشي، فدخول حزب الله الحرب في سورية بحدّ ذاته يصلح ليكون خطاً أحمر إسرائيلياً، بمجرد أن أدركت «إسرائيل» علي الأقلّ لا جدوي الرهان علي استنزاف حزب الله في هذه الحرب، فمنذ حرب القصيْر عام 2013 ثبت أنه قيمة مضافة ستفعل فعلها في تغيير وجهة الحرب التي تريد لها الاستمرار إذا تعذّر إسقاط سورية لحساب الحلف الذي تقوده واشنطن وتلعب «إسرائيل» فيه دوراً محورياً، لكن «إسرائيل» التي تري بأمّ عينها حلمها يتلاشي لم تجرؤ يوماً علي القول إنّ وجود حزب الله في سورية خط أحمر دونه حرب شاملة، ولا واشنطن تجرّأت، وكذلك بالنسبة لقدوم القوات الروسية والإيرانية وسواها من الحلفاء، حتي ضاع حلم الحليفين معاً، وبقي البحث عن وهم يعلّق عليه مصطلح الخط الأحمر، وربما نستفيق يوماً نسمع ترامب يقول إنّ رحيل الرئيس السوري خط أحمر وليس بقاءه، فقط ليقول وزير دفاعه في اليوم التالي كما فعل مع التهديد بتهمة استعمال سورية للكيميائي، يبدو أنّ الرئيس السوري قد أخذ تحذيراتنا بالحساب أو يخرج نتنياهو ويقول إنّ انسحاب حزب الله من سورية وليس بقاءه فيها خط أحمر ليخرج ويقول لقد فعلت تهديداتنا فعلها وحمينا الخط الأحمر.
– عندما أُعلن الكيميائي خطاً أحمر كانت المخابرات الأميركية تشتغل لاستعماله من بنغازي في ليبيا، حيث سلّم غاز السارين لجبهة النصرة ومستشارين أتراك، ليُستعمل في الغوطة، ويصير القول عن تخطي الخط الأحمر مبرّراً لضربة تغيّر الموازين وتردّ للجماعات المسلحة قدرة إمساك زمام المبادرة، كما تقول التقارير الأميركية عن خطة الضربة التي صمّمت في عهد أوباما. جاء الردّ الروسي والإيراني يقول إنها ستتحوّل حرباً شاملة، فصار صرف النظر عنها. وهذا يعلمه ترامب الذي يتنمّر علي سلفه أوباما باتهامه بالتخاذل مع تخطي الخط الأحمر ويظهر عنتريات القدرة علي حمايته بتصنيع ما يشبه ما جري أيام أوباما لتوجيه ضربة لا تشبه تلك التي كان ينوي أوباما توجيهها، ليخرج ويقول لقد حمينا الخط الأحمر، لكن ترامب وإدارته وقعا في ما لم يقع فيه أوباما، فللمرة الأولي حدّدوا خطاً أحمر واقعياً يتصل بمسارات الحرب عندما أعلنوا اعتبار بلوغ الجيش السوري والحشد الشعبي الحدود السورية العراقية خطاً أحمر، وتمّ الدوس علي الخط الأحمر.
– لعبة الكيميائي الجديدة المعلنة أميركياً تبدو معالجة لخطيئة سقوط الخط الأحمر وانفضاح عناصر الضعف الأميركي، بالعودة للخط الأحمر الوهمي، والاحتماء به مجدّداً عبر التهديد. وقد تحوّل الخط الأحمر من حرب نفسية إلي عقدة نفسية، ومثله وقع «الإسرائيلي» بشيء مشابه عندما تحدّث قادته عن حرب استباقية، وفق نظرية المخابرات «الإسرائيلية» التي تقول إنّ الحروب مع حزب الله كلها سيئة، وإنّ المفاضلة بين حرب سيئة وحرب أسوأ، وأن لا قدرة لـ»إسرائيل» مهما فعلت علي تجنّب صواريخ حزب الله في حال وقوع حرب، وقد صارت الصواريخ تغطي الجغرافيا الخاضعة للاحتلال كلّها ومنشآتها ودفاعاتها، وقادرة علي تحقيق إصابات دقيقة ودمار هائل وخسائر لا تُحتمل، ليكتشف قادة الكيان أنهم رسموا الخط الأحمر الجديد لتنامي قوة حزب الله بالتلويح بحرب استباقية يستدعي تسويقها إيراد معلومات ووقائع فعلت فعل الحرب النفسية علي الجمهور «الإسرائيلي»، وردعته عن فكرة الحرب، ليتولي رسم خط أحمر لقياداته، بالقول بلسان مسؤول الجبهة الداخلية ممنوع التفكير في الحرب، فليس لنا طاقة علي تحمّلها.
– يصير الخط الأحمر عقدة نفسية بعد أن كان حرباً فعلية وتحوّل تدريجاً لحرب نفسية، لكن في المقابل هناك مَن يرسم الخط الأحمر في الميدان، فيقول قادة الحشد الشعبي، طريق بغداد – دمشق فتحناها ولن تُغلَق، ويقول نائب وزير الخارجية السوري الدكتور فيصل المقداد، هذه المرّة سيكون الردّ مختلفاً إذا وقع عدوان أميركي ونأمل أن يأخذ الأميركيون تحذيراتنا في حساباتهم، ويضيف السيد حسن نصرالله لدفتر الحسابات «الإسرائيلية» عن ضرب العمق والتوغّل البري المعاكس، مجيء مئات الآلاف لقتال «إسرائيل».
– حول الحرب النفسية تنشر «معاريف» تقريراً عن كلية تعليم التحدّث أمام الجمهور. وهي كلية أكاديمية في تل أبيب لتخريج القادة السياسيين والإعلاميين والاقتصاديين، وتقول إنّ خطابات السيد نصرالله لها فصل تدريسي خاص، يتضمّن شرحاً لتدرج التفوّق الاستراتيجي الإعلامي لخطاب السيد وحربه النفسية. ومن هذا الفصل كيف بني السيد خطابه علي الصدق وراكم عليه الصدق دائماً حتي عندما تكون الحقيقة مؤلمة، بخلاف القادة «الإسرائيليين» الذين كثيراً ما ينشرون معلومات غير صحيحة ضمن حربهم النفسية أو يحجبون معلومات هامة وحقيقية. وبعد اكتساب صفة الصادق راكم السيد علي هذه الصفة الثقة بأنه إذا وعد وفي وإذا هدّد نفّذ وإنّ ما يعلنه من خطوات سيفعله حكماً، فبني الثقة التي صارت مصداقية. ويورد هنا أمثلة كتدمير البارجة ساعر علي الهواء، وتعامله مع ملف الأسري، وفي المقابل يقوم قادة الكيان بالإعلان عن نيات وأهداف لا يستطيعون تحقيقها ووعود لا تقبل الوفاء بها وتهديدات غير قابلة للتنفيذ. ويتضمّن الفصل تحليلاً لمعني تحوّل الصدق مصداقية، ليصير ربط العناصر الممكن تصديقها بالفرضيات التي لا يمكن اختبارها، لبناء منظومة ردع نفسي هي أصل الحرب النفسية، فالكلام «الإسرائيلي» يوثّق حقائق ما يمتلكه حزب الله من طاقة صاروخية وقدرة تدمير، فيكفي أن يؤشر السيد لفرضية قصف ديمونا أو مستوعبات الأمونيا حتي يُصاب «الإسرائيليون» بالهلع.
– الحرب الأميركية «الإسرائيلية» خط أحمر رسمته القوي والحكومات في محور المقاومة وحلفائهم وعلي رأسهم روسيا، وما يجري من رسم خطوط حمراء افتراضية ليس إلا تهرّباً من الاعتراف بالالتزام بالخط الأحمر الأصلي، لا حرب أميركية «إسرائيلية». والفرق كبير بين الخط الأحمر في الحرب النفسية، والخط الأحمر عندما يتحوّل عقدة نفسية.
*بقلم: ناصر قنديل (جريدة البناء)
انتهي**2054** 2344


www.irna.ir

تحقق أيضا

قيادي في حركة فتح: نحن جزء أصيل مما يجري من مواجهة في القدس

وقال في تصريح خاص لمراسلنا ان معظم قيادات فتح بالمعتقلات نتيجة ما قاموا به في …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *