الصفحة الرئيسية / سیاسیة / بين حزب الله 2017… وحزب الله 2006

بين حزب الله 2017… وحزب الله 2006

هدفَ الترويج لهذا المفهوم الي محاولة إحداث تعديل جزئي في صورة نتائج حرب عام 2006، في وعي الرأي العام الإسرائيلي، والقول إن نتائجها لم تقتصر علي الفشل. وبالنتيجة، خلصت هذه الفذلكة الي اكتشاف إنجاز متأخر لتلك الحرب، تمثل بتعزيز قدرة الردع الإسرائيلية في مواجهة حزب الله! .
بداية، ينبغي تسجيل حقيقة أن لكل حرب نوعين من النتائج. منها الفورية والمباشرة، ومنها ما يتوالي بالظهور مع مضي الوقت. لكن بالإجمال، من الصعب الفصل بين التداعيات التي تتوالي بالظهور وبين النتائج العسكرية لهذه الحرب. بمعني أن النتائج الفورية والمباشرة تتحول الي نقطة انطلاق وتأسيس (من ضمن عوامل أخري) للمسار الذي يلي.
مع ذلك، ينبغي التذكير بأن أهداف الحرب الإسرائيلية ضد حزب الله كانت أبعد مدي بكثير من تعزيز قوة الردع الإسرائيلية. ولو كان الأمر كذلك، لاقتصر العدوان علي عدة أيام تم خلالها الاكتفاء باستهدافات محدَّدة من دون أن تورط إسرائيل نفسها بحرب استمرت 33 يوماً، تم خلالها دك جبهتها الداخلية بالصواريخ بما لم تشهده ربما منذ ما بعد حرب عام 1948.
في ضوء عدم الحاجة إلي الكثير من الشروحات التي تُفصل هذه الأهداف، تكفي العودة إلي قائمة الأهداف التي صادق عليها المجلس الوزاري المصغر خلال الحرب، ونشرها معهد أبحاث الأمن القومي (عام 2016) بقلم العميد أودي ديكل الذي كان يتولي خلال الحرب منصب رئاسة القسم الاستراتيجي في شعبة التخطيط في هيئة أركان الجيش. وكان من ضمن هذه الأهداف، تنفيذ القرار 1559، والبدء بمسار تفكيك أسلحة حزب الله، إضافة الي الموقف الشهير لوزيرة الخارجية الأميركية في ذلك الحين كوندوليزا رايس، والتي كشفت عن أن الهدف الحقيقي للحرب هو ولادة شرق أوسط جديد. كل هذه الأهداف وغيرها ما كانت لتتحقق من دون سحق حزب الله.
مع ذلك، حتي لو اقتصر معيار تقويم الحرب علي تحديد منسوب الردع، يلاحظ علي مستوي النتائج أن ما تحقق لم يكن تعزيزاً أحادياً للردع الإسرائيلي، وإنما تبلورت حالة من الردع المتبادل ظهرت مفاعيلها طوال السنوات التي تلت. بمعني أن مَن تعززت قدرة ردعه بمستويات هائلة عما كانت عليه قبل الحرب، هو حزب الله. وقدرته تجاوزت مفاعيلها الساحة اللبنانية، وامتدت الي الساحة الإقليمية.
لكن علي قاعدة ألزِموهم بما ألزموا به أنفسهم، «يسرنا» أن نحتكم الي تقويم نتائج الحرب بالقياس الي تداعياتها البعيدة المدي.
المدخل الي التقويم الدقيق، يكمن في إجراء مقارنة (تكفي المقارنة العامة) بين حزب الله 2017، وحزب الله 2006. ولا يخفي أن مساحات هذه المقارنة واسعة ومتعددة. ولكن يمكن إجمالها، (ولو بشكل غير شامل)، وفق العناوين السريعة الآتية:
1 ـ أكثر عدداً. في ضوء أن حزب الله لم يسبق له أن أعلن ونشر عن أعداد مقاتليه والمنتسبين إليه، لكن بالاستناد الي التقارير الإسرائيلية نفسها، التي تحاول أحياناً المقارنة بين مرحلتين، وتحديداً من قبل كبار الخبراء في إسرائيل، بات حزب الله يملك عشرات آلاف المقاتلين، ومن دون الحاجة إلي الاطلاع علي الأرقام المعلنة وغير المعلنة، يمكن للبنانيين أنفسهم، سواء كانوا حلفاء أو أصدقاء لحزب الله، أن يلحظوا بأنه بات أكثر انتشاراً وتجذراً في الواقع اللبناني، وبأضعاف ما كان عليه سابقاً.
2 ـ أكثر تسليحاً (سنقتصر علي الصواريخ). أيضاً، بالإجمال ليس من عادة حزب الله الإعلان الرسمي عما يمتلكه من قدرات صاروخية... سوي في محطات محدودة سابقة، والتي أتت في سياق مدروس وهادف. لكن الإسرائيليين أنفسهم يتحدثون عن أن حزب الله كان يملك عام 2006، نحو 12 ألف صاروخ. في المقابل، فرضية العمل التي يتبناها الجيش الإسرائيلي، ويبني علي أساسها خطط بناء قدراته القتالية، أن حزب الله يملك من الصواريخ ما لا تملكه أكثر دول العالم. ويتحدثون في هذا المجال عن نحو 150 ألف صاروخ. وليس من المستبعد أيضاً، أن يكون هذا الرقم أقل مما لدي حزب الله، وخاصة أنه سبق لإسرائيل أن أخطأت كثيراً في تقديراتها بما يتعلق بصواريخ حزب الله (قبل حرب 2006 وخلالها).
3 ــ أكثر تطوراً. بحسب التقارير الرسمية والإعلامية في تل أبيب، أكثر ما يبث الرعب في صفوف الإسرائيليين، الي جانب الأعداد الفلكية لصواريخ حزب الله، دقة إصابتها ومداها وقدراتها التدميرية. بل إن حزب الله نفسه وجّه أكثر من رسالة ردع الي المؤسستين العسكرية والسياسية في إسرائيل، استندت فعاليتها، بشكل مُحدَّد، الي دقة إصابة هذه الصواريخ، وتحديداً عندما تحدث عن إصابة منشآت بعينها في العمق الإسرائيلي (مطار بن غوريون، منشآت نووية...).
ويندرج في السياق نفسه، تطور صواريخ حزب الله علي مستوي المدي وقوة التدمير بعدما باتت تطال كل نقطة في إسرائيل، ولم تعد تلحق أضراراً جزئية بالمنشآت في المستوطنات، بل تدمّر مباني في تل أبيب.
4 ــ أكثر خبرة وكفاءة. كثيراً ما تحدث الإسرائيليون عن حجم التضحيات التي قدمها ويقدمها حزب الله في سوريا. لكن علي خط مواز، يقر كبار القادة الإسرائيليين، ومن ضمنهم رئيس أركان الجيش غادي آيزنكوت، الذي أكّد قبل أيام أمام مؤتمر هرتسيليا، أن مقاتلي حزب الله باتوا أكثر خبرة ويتطورون. وبحسب تعبير مستشار الأمن القومي الأسبق لنتنياهو، اللواء يعقوب عميدرور، بات حزب الله بعد مشاركته في القتال في سوريا «جوزة (إيغوز) لا تنكسر»، فيما وصفه آخرون بأنه بات جيشاً محترفاً... وهكذا.
5 ــ أكثر حضوراً وتأثيراً في الساحة اللبنانية. نصّت قائمة الأهداف التي صادق عليها المجلس الوزاري المصغر قبل حرب عام 2006، بحسب معهد أبحاث الأمن القومي (قيود علي الفكر الاستراتيجي/ أودي ديكل/ 2016)، علي إضعاف مكانة حزب الله في لبنان. في المقابل، يمكن الاكتفاء بالإعراض عن التعليق علي هذا البند بالذات... وترك الإجابة عنه للقارئ.
6 ــ أكثر حضوراً وتأثيراً في الإقليم. في عام 2006، كانت صورة حزب الله كقوة ردع ودفاع عن لبنان موضع شكوك الكثيرين في لبنان. لكن في المرحلة التي تلت تلك الحرب، تبلور حزب الله كقوة ردع إقليمية، وهو ما حضر بقوة في مقاربة القيادات العسكرية والاستخبارية في تل أبيب، الذين عارضوا تفرد إسرائيل بمهاجمة المنشآت النووية في إيران، علي خلفية تقديرهم بأن صواريخ حزب الله ستتساقط علي الجبهة الداخلية الإسرائيلية. أما الآن، فقد تجاوز حزب الله هذا الموقع والدور، الي ما هو أكبر وأشد تأثيراً بعدما تحول الي قوة إقليمية، بإقرار أعدائه وأصدقائه. ومن أبرز تجليات هذا التطور في الموقع والدور، أنه بات له موقفه ودوره المؤثر جداً في بلورة المعادلات والسياقات الإقليمية.
ولا بد من الإشارة الي أن هناك العديد من المجالات الإضافية الأخري التي يمكن أن تشكل ساحة بحث لاكتشاف المزيد من تجليات التطور الذي شهده حزب الله وحققه، في آن.
في مقابل كل ما تقدم، يبقي أن نشير الي أن تطور مكانة وموقع ودور حزب الله في الساحتين اللبنانية والإقليمية، لا يعني تجاهلاً لحجم التهديدات المحدقة بلبنان والمنطقة. لكن في المقابل، ما ينبغي التأكيد عليه، وعدم إغفاله، أن هناك فرقاً كبيراً جداً بين مواجهة هذه التهديدات من موقع الضعف، الذي يبقي حاضر وطنك وشعبك ومستقبلهما رهينة المتغيرات السياسية والأمنية، التي شاهدنا مفاعيلها في دول هي أكبر وأقوي من لبنان بأضعاف، وبين مواجهتها من موقع القدرة علي الردع والرد والدفاع.
انتهي**2054 ** 2342


www.irna.ir

تحقق أيضا

قيادي في حركة فتح: نحن جزء أصيل مما يجري من مواجهة في القدس

وقال في تصريح خاص لمراسلنا ان معظم قيادات فتح بالمعتقلات نتيجة ما قاموا به في …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *